لم يكن الشاب الليبي حسن الجهمي يتخيَّـل أن نداءً بسيطا أطلقه عبْـر المواقع الاجتماعية، سيكون الشَّـرارة التي أحرقت عرْش معمر القذافي، بعدما حكم ليبيا بالحديد والنار من 1969 إلى 2011 لجأ حسن إلى سويسرا، عندما ضيقت المخابرات الخِناق على أسْرته واعتقلت أبناء عمومته في بنغازي، فاستخدم الفضاء الافتراضي، ساحة معركة مع أجهز ة النظام.
 
وفي الذكرى الأولى لتلك الانتفاضة، التي كان الجهمي أول من أطلَـق عليها تسمية ثورة 17 فبراير على موقعه، قبل أن تتناقلها المواقع الليبية الأخرى في الداخل والخارج، روى حسن لـ
swissinfo.ch
الإرهاصات الأولى للحركة في بنغازي، مُـنطلقا من مظاهرة المحامين الذين كانوا يطالبون بالإفراج عن زميلهم فتحي تربل، محامي عائلات المساجين المغدورين في سجن أبو سليم في طرابلس.
 
وقال حسن "كان المحامون يرفضون الهتافات المنادية بإسقاط النظام، إلا أن هذا الشعار بدأ ينتشر من خلال الحِراك الكبير في العالم الافتراضي والذي امتدّ إلى المعارضة الليبية، فغيّرت من لهجتها الإصلاحية، واعتبرت أن هذه هي فرصة التغيير وقطْـع الطريق أمام مشروع معمر القذافي، الذي كان يسعى لتوريثٍ تدريجي للسلطة لابنه سيف.
 
انطلقت المظاهرة الأولى في بنغازي يوم 15 فبراير، وفي اليوم التالي، في البيضاء (شرق) والزنتان (غرب)، قبل أن تُرتَـكب أولى المجازر يوم 19 من نفس الشهر في بنغازي، عندما كان الأهالي يتّجهون إلى تشييع شُهداء الأيام الماضية إلى المقْـبرة، فمروا أمام ثكَـنة كتيبة الفضيل بن عمر (على اسم أحد قادة حرب التحرير ضد الطليان)، والتي كانت تُـعتبر "عزيزية بنغازي"، ففتحت كتائب القذافي النار عليهم وسقطوا شهداء.
 
ويمضي حسن الجهمي قائلا: "في ذلك الوقت، خرج الليبيون المُـقيمون في سويسرا في مظاهرة، هي الأولى أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف. ولأول مرة أيضا، هتف الإخوان المسلمون الليبيون ضد النظام، بمَـن فيهم المراقب العام. لقد كُـنا مجموعة من الشباب الوطنيين من كل الأطياف، وكان كثير منهم مُـختلفا مع الإخوان في مسألة النهج الإصلاحي، لذا، تكفّـلْـت بالحصول على ترخيص بالتظاهر من السلطات السويسرية وحصلْـت عليه فِعلا. لكن ما أن وصلَـنا خبَـر مجزرة بنغازي، حتى اتَّـصلْـت بالفضائيات وأعطيْـتها أرقاما لمواطنين في بنغازي، تمكَّـنوا من خلال الاتصال بهم من تأكيد الخبَر ونشْره على نِطاق واسع.
 
كُـنت منهارا، لكن صفحتي لاقَـت تجاوُبا من الشباب في تونس ومصر والخليج، وكانت تأتيني من هؤلاء تفاعُـلات سريعة. فعندما أضع فيديو يُـرسله الشباب فوْرا إلى كل المواقع الموصولين معها، فينتَـشر عربيا في ظرف عشر دقائق، وهكذا تكوَّنت شبكة بشكل عفْوي وبلا تخطيط، إذ كان كل اتِّصال يُفضي إلى اتصال آخر وهلُـمّ جرا... هكذا صارت لديْنا لجنة إعلامية في مصراتة، ترسِـل لنا فيديوات وطلبت أن يتصل بها مراسل من وكالة رويترز، كما اتفقت مع قناة "الجزيرة" على أن ترسل لها أدوات تصوير...
 
وتعدّدت اللجان الإعلامية في سبْـها ونالوت وأجدابيا وطرابلس ودرنة، وأنشأت كل لجنة صفحة على فايس بوك، لكي تبث عليها الصور الحية. كنا حريصين على المِصداقية. ففي أحد الأيام، بثت إحدى القنوات فيديو على أنه حديث، بينما اكتشفنا أنه يعود إلى سنتيْـن، فاتَّصلنا بها وأوقفَـت بثه.

 

 

swissinfo.ch: بعدما انتشرت الانتفاضة وصارت جميع الفضائيات تُـتابع الأحداث داخل ليبيا، ماذا أصبح دوركم؟

حسن الجهمي: صار دورنا تغطِية مظاهِر القصور في حركة المقاومة، وعندما يتحدّث الناس اليوم عن أهداف ثورة 17 فبراير، أستغرب لأن الثورة كان لها هدف واحد، هو إسقاط النظام. أنا ضدّ ائتلاف سَـرايا ثوار 17 فبراير، لأننا لا نحتاج إلى ائتلافات، وإنما إلى جيش وطني كي لا تتحوّل البلاد إلى مجموعات مسلحة.
 
أما على الصعيد الاقليمي، فصحيح أن هناك دولا ساعدتنا، وهي مشكورة على ذلك، لكن لا يمكن أن تحكُـمنا، فنحن نرفض أي تدخّل في شؤوننا. ليبيا يجب أن تكون مستقلّة. كما أني ضدّ السِّجال العقيم القائم على ثنائية عِلماني – إسلامي، فأنا لست عِلمانيا ولا إسلاميا، أنا مُسلم فقط وأسعى لرخاء ليبيا قبل أن أفكّر في الأيديولوجيات والصِّراع على السلطة.

 

ما علاقتك بالمجلس الوطني الانتقالي؟

حسن الجهمي: ليست هناك علاقة مباشرة. ما أن اتّصلت باللجنة الإعلامية في بنغازي، بعد عودتي من جنيف، حتى طلبوا منّي أن أنضَمّ إليهم، فقلت لهم إني أريد أن أبقى خارج الجِسم ومن داخل ليبيا، فأنا أكره تقديس الأفراد، وهذا الموقع سيُتيح لي أن أنقد الأخطاء وأعمل على إظهار الحقيقة. وأشعر بالارتياح أن عدد زوار الصفحة وصل اليوم إلى أكثر من 180 ألفا.

 

وما قصة اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان قوات الثوار؟

حسن الجهمي: فيها سجال... فالمتوَرِّطون فيها، هم في أعلى المستويات، والمشكلة، أن البعض يقول عنه إنه قائد والبعض الآخر يشكِّك في ذلك، في حين يعتبره رئيس المجلس شهيدا ونسمَع في الخفاء كلاما آخر... من حقّ قبيلة العبيدات أن تعرف الحقيقة كاملة، فلو قُتِل غَـدرا، يجب أخذ حقّه، لكن لماذا استمرار الغموض؟ ولماذا لم تعلن لجنة التحقيق عن الإستخلاصات التي وصلت إليها؟ في أيام القتال مع كتائب القذافي، كنا نتفهّم صمْت القبيلة من أجل المحافظة على الوِحدة الوطنية، أما اليوم، فلست أرى مبرِّرا للإحجام عن كشف الحقيقة.

 

وما علاقتك السياسية بابن عمك فتحي الجهمي؟

حسن الجهمي: خلال سنتيْ 2003 و2004، أجرت قناتا "الحرّة" و"العربية" مقابلتيْن مع فتحي الجهمي، بوصفه معارِضا، فنعت العقيد القذافي بالدِّكتاتور. قبل ذلك، سُجن فتحي وضغطت الولايات المتحدة لإخلاء سبيله، وما أن عادت القنوات الفضائية تستجوِبه، حتى عاد ليؤكِّـد المواقف نفسها، التي من أجلها سُجن، وقال إن الكِتاب الأخضر هو دستور القذافي، وهو لا يمثل ديمقراطية، بل مسخا ديمقراطيا، فأخذوه إلى السجن مجدّدا وقالوا إنه مجنون إلى أن فارق الحياة، ولا نعرف هل مات مسموما أم مقتولا، إذ نقلوه إلى الأردن، وهو شبْه ميِّت، لكي يلفظ أنفاسه هناك ولا يجعلوا منه شهيدا. وإلى حد اليوم، لم تأخذ أسْرته حقّها... أما شقيقه عبد العزيز، فهو مشلول نتيجة التعذيب الذي تعرّض له ويُـقيم في بنغازي، أما الشقيق الثاني محمد، فمقيم في أمريكا. وأشير هنا إلى أن نجْل فتحي، ينشط اليوم مع شباب الثورة في بنغازي.

 

أنت تعرّضت إلى المضايقات واضطررْت للهجرة في 2010، كيف اهتديْت إلى استخدام سلاح الشبكة العنكبوتية؟

حسن الجهمي: أنشأت موقع "تيبستي" في 2005، وهو اسم جبال تقَع في جنوب ليبيا، وكان موقعا معارضا للسلطات، فأرسل سيف الإسلام القذافي في 2010 شخصا قال لعائلتي "ثلاثة من بيت الجهمي أتعبونا: فتحي ومحمد (شقيقه) وحسن... خلوا حسن يسكَّـر فمه وموقعه". وأفهَـم الأسْـرة أن موقعي، هو واحد من عشرة مواقع تشكِّل خطرا على النظام، فاتَّصلت الأسْرة بشقيقي المقيم في الإمارات وخاطبني هو بدوره ناقلا رجاء الأسْرة أن أكفّ عن الكلام غيْر المباح، واتَّفقت معه على أن أتبرّأ من العائلة ظاهريا على موقعي، ونبقى في الحقيقة على تواصُـل كي تخفّ الضغوط المسلّطة عليهم، وهذا ما حصل.

 

رشيد خشانة - روما-