حسب اعتقادي لا بد للمجتمعات درجة معقولة من النضوج الثقافي لان تتحول باتجاه مناخ الديموقراطية. وانا استعمل كلمة "مناخ" لأشير للبعد الاوسع للكلمة، ولا احصرها في صندوق الانتخاب. صندوق الانتخاب على اهمية دورة لا قيمة كبيرة له في مجتمع الامية الثقافية والسياسية. ويمكن للاهالي ان ينتخبوا شيخ عشيرتهم من خلال منظومة الولاء للقبيلة. وبذلك يصبح الصندوق ديكورا لا اكثر ولا اقل. لكن الثقافة الناضجة قادرة على استيعاب بل وهضم الثقافة الديموقراطية وحتى انتاج ديموقراطيتها الخاصة بها.

 

اهم ما يتميز به المجتمع التقليدي عن الحديث هو غياب ثقافة الابداع كما لاحظت اكثر من دراسة انثروبولوجية من القرن التاسع. ثقافة المجتمع التقليدي عبارة عن ثقافة اجترار وماء راكد اسن لا يتحرك بل يملك القابلية والجاهزية لكل الافكار الضيقة الافق سياسية ام اجتماعية ام دينية. وهو الامر الذي نلحظه في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر.

 

بينما المجتمعات الحرة تفتح المجال للعقول للابداع الامر الذي يسهم في تطوير المجتمعات. المجتمعات التقليدية تحبط المبدعين، تسخر منهم او تعمل على التقليل من شان ما يفعلون لانها مجتمعات خائفة من اي فكرة جديدة. واذا ما ظهر جديد فانهم يركزون على سلبياته واضراره اكثر من فوائده. ولذا فانها لا تملك الشجاعة ان تقتحم فضاء الحياة بالمعنى الواسع للكلمة بسبب الرهاب من التغيير ومن كل جديد.

 

هذا الواقع، اي ضعف النضج الثقافي الحداثي، هو الذي يفسر إلى حد ما لماذا وصل الربيع العربي إلى ما وصل اليه من عنف وتعصب ديني وصراعات طائفية وقبلية. لكن على الرغم من هذا المناخ الثقافي الصعب، لا اعتقد ان الصورة سوداء تماما. فهناك بعض المؤشرات، وان كان صغيرة، تدل على قرب انحسار الموجة الظلامية. الامر الذي يجب ان تستفيد منه قوى التحول الديموقراطي بالشروع في استنهاض الطاقات المجتمعية وتطويرها باتجاه ثقافة ديموقراطية التي تفتح الطريق في مرحلة لاحقة نحو بناء دول ديموقراطية.

 

د. سليم نزال

مفكر وباحث فلسطيني