منذ فترة ليست بالقصيرة انتشرت في البلاد العربية ظاهرة الجماعات الإسلامية التي تدعي لنفسها وحدها امتلاك شرف الدفاع عن الدعوة ونُصرة الدين الإسلامي، وكان لمصر نصيب الأسد من تلك الجماعات المتعددة الأشكال التي كان حسن البنا مؤسس طليعتها تحت اسم الإخوان المسلمون، وهي الجماعة التي أفرزت لنا وصدرت للعالم بقية الجماعات، كالجماعة الإسلامية، والدعوة السلفية، والسلفية الجهادية، والتكفير والهجرة، وغيرها كثير لا تحضرني أسمائها من فرط كثرتها.

 

وبالتوازي مع تلك الجماعات أنتشر أيضاً ما يُطلق عليهم الخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، وبجانبهم بعض الكُتاب الذين يتخصصون في فكر هذه الجماعات وهم ما يسمونهم المفكرين الإسلاميين، وكل منهم تبارى للتصدي للجزئية الخاصة به. فالخبير في الجماعات الإسلامية اقتصر عمله على نشأة الجماعات وتأسيسها وأساليب عملها وأعضائها وتطورها وجرائمها، أما المفكر الإسلامي فتفرغ للكتابة عن الجماعات مروجاً لأفكارها – وفي الغالب هو أحد أعضائها - من منظور ديني مبتعداً تماماً عن أي أعمال مشينة قامت بها كالتفجيرات والاغتيالات وغير ذلك من الأعمال القذرة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترتبط بالإسلام ولا أي دين آخر.

 

عشرات السنين مرت منذ ظهور تلك الجماعات، ومئات الخبراء والمفكرين ملأوا الدنيا بآرائهم وكتاباتهم عنها. إلا أن أحداً لم يتطرق مطلقاً للنتيجة النهائية لعمل تلك الجماعات على أرض الواقع، فمن المنطقي أن يكون مقياس الحكم على أي جماعة منطلقاً من تحقيقها لأهدافها من ناحية ومن ناحية أخرى وأهم، الوسائل التي اتخذتها لتحقيق تلك الأهداف فإذا كان الهدف من قيام هذه الجماعات ابتداءً هو نصرة الدين الإسلامي والحفاظ على الدعوة، فمن البديهي المقارنة بين منزلة الدين الإسلامي قبل ظهور تلك الجماعات ومنزلته بعد ظهورها، وبمعنى أدق هو سؤال واحد تظهر لنا إجابته الحقيقة مجردة، وهو: ماذا كسب الدين الإسلامي من الجماعات التي ترفع شعار نصرته والحفاظ عليه، وماذا خسر؟

 

بعيداً عن الحكومات فهي في نظر الشعوب دائماً لها أغراض لا تتوافق مع العدالة، وبعيداً عن المعتقدات الايدلوجية التي تختلق الجماعات الإسلامية بالضرورة صراعاً أبدياً معها، يقف أمثالي من البسطاء الذين لا ينتمون لأي تجمعات، ولا يلهثون خلف أي تطلعات، باحثون وحسب عن مكانة الدين الإسلامي الذي هو دين الآباء والأجداد، وأين أوصلته الجماعات الإسلامية المختلفة، وهل حقاً ازدهر الدين الإسلامي على أياديهم ومن خلال أفكارهم وبسبب تصرفاتهم وانتشر كدين سماحة ومحبة وبناء، في أنحاء الدنيا، بحيث أصبح ديناً يلوذ إليه كل مُتعب، ويهرع إليه كل ملتاع، أم أنه تحول بواسطة تلك الجماعات إلى دين خوف ورعب، واغتيالات وتفجيرات، ودماء تسيل في الطرقات؟

 

لن أدعي لنفسي خبرة لا أمتلكها، ولا منزلة لا أستحقها، ولا فراسة لا أجيدها، فقط أبحث عن ديني الحنيف وكيف أجده وسط هذا الكم الهائل من الكراهية التي أطلقتها جماعات تحتكر الإسلام، وتختلف باسم الإسلام، وتحارب باسم الإسلام، وتخرب المباني والممتلكات باسم الإسلام، وتقتل الأبرياء باسم الإسلام، وأدعوهم أن يقفوا مع أنفسهم للحظات ليبحثوا معي في هذا السرداب العميق المظلم الذي أوصلونا إليه، عن الإسلام الذي غيبوه فيه، فحجروا عليه وقيدوا حركته، وبدلاً من أن يرفعوا من شأن الدعوة الإسلامية، فإذا بهم يخيفون الناس منها وينفرونهم من تعاليمها.

 

ولننظر إلى أيمن الظواهري الذي يأمر أنصاره الآن بقتل أبناء وطنه مصر بدمٍ بارد، أفنى شبابه كاملاً مختبئاً في الجبال، متدرباً على فنون القتال فأين هو الآن؟ وأين وصل الإسلام على يديه؟ لو كان مخلصاً في حرصه على الدين الإسلامي كما يدعي هو وجماعته، لأنفق كل هذه المليارات من الدولارات على نشر الدعوة بدلاً من إنفاقها على الاغتيالات، ولأمضى كل هذه المدة الطويلة من عمره في أماكن لم يصلها الإسلام ينشر الدعوة فيها ويُعلم الناس أصول دينهم كما أرادها الله، بدلاً من إضاعتها في التخطيط للتفجيرات.

 

لو فعل ذلك لأفاد الدين فائدة عظيمة، ولأرتبط اسمه للأبد بخدمته للدين بدلاً من ارتباطه بقتل الأبرياء والمساكين، ولكنه وأمثاله لأنهم يبحثون عن السلطة والزعامة والنفوذ، رأيناهم يستدرجون بسطاء العقول ويعلمونهم القتل والتقتيل، والاغتيالات والتفجيرات، وأهلكوا من شباب المسلمين أضعاف ما أهلك أعداء الدين، وقتلوا من أبرياء الإنسانية عشرات بل مئات الآلاف، فماذا كسب الدين الإسلامي من ذلك؟

 

مع شديد الأسف على أيدي الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، انحدرت منزلة الدين انحداراً شديداً، فأصبح أتباعه في المجتمع الدولي محاصرين مضطهدين، مشكوك فيهم دائماً، يعاملون كإرهابيين، يخشاهم الناس ويتجنبون التعامل معهم، لقد تحول دين الرحمة والمودة على أيدي الجماعات الإسلامية إلى دين البنادق والقنابل والسيارات الملغومة، فهل أنتم سعداء بما حققتم؟

 

أيها الضالون المضللون، كم من المسلمين الأبرياء سالت دمائهم على أيديكم فمتى تكتفون؟ كم من المجتمعات خُربت بتفجيراتكم متى تشبعون؟ كم من الأبناء يتمتم، وكم من النساء رملتم، وكم من الأمهات ثكلتم، وكم من الآباء قهرتم، فمتى تندمون؟ وكم من غير المسلمين هديتم للإسلام، متى تخجلون؟ لقد ضاع الإسلام على أيديكم لا سامحكم الله، متى تتوبون؟

 

عادل الجوهري