يقال أن هناك 22 مليون قطعة سلاح موجودة الان وبشكل سائب في ليبيا ربما يكون ذلك الرقم متواضعا للتعبير عن النشاط المحموم الذي يقوم به تجار وعصابات السلاح، من أجل سد الحاجة المحلية وأيضا من أجل تهريب السلاح إلى دول شمال افريقيا ومن ضمنها مصر طبعا وإلى دول الصحراء الافريقية فجأة أكتشفت شعوب بعينها أن حاجتها الى السلاح تفوق حاجتها إلى الغذاء والتعليم والدواء والسكن وسواها من مظاهر ومستلزمات الحياة الإنسانية السوية. بل أن ثقافة السلاح صارت لدى تلك الشعوب بمثابة المعيار السليم لقياس حيوية تلك الحياة.

 

ولكن كم هو عدد سكان ليبيا؟

 

لن يتجاوز عددهم السبعة ملايين. بضمنهم الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والمعاقين والعاجزين والعازفين عن استعمال السلاح. حسبة بسيطة تضع بين يدي كل مواطن ليبي ما يتجاوز الثلاثة قطع من تلك الاسلحة سيقال دائما ان القذافي هو الذي وزع السلاح على مواطني جماهيريته التي أدرك أنها ذاهبة إلى الهباء. وهي كذبة سبق وأن رددها مرافقو المحتل الاميركي في العراق حين زعموا أن صدام حسين هو المسؤول عن انتشار السلاح في العراق ولو أدرنا ظهورنا إلى نموذجي ليبيا والعراق وانتقلنا إلى سوريا فهل كان بشار الاسد هو من فتح مخازن السلاح للسوريين لكي يقتل بعضهم البعض الآخر؟ وماذا عن السلاح في لبنان؟ لا نقصد هنا بالطبع سلاح حزب الله، فمصادر ذلك السلاح معروفة، بل نقصد السلاح الذي صار "الزعران" من خلاله يحكمون الشوارع في عاصمة الشمال اللبناني (طرابلس).

 

صار انهيار الوضع الامني متوقعا في أية لحظة، في الوقت الذي صار فيه تيار المستقبل يستعرض عضلاته فيه بعيدا عن المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، ولسان حاله يقول "لديكم سلاحكم غير القانوني ولدينا سلاحنا الذي يباريه في لاقانونيته" كان صدام حسين يلذ له أن يهدي مسدسا لكل شخص يستقبله وكان يجد في ذلك السلوك الهمجي نوعا من التكريم. ولكن رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي وهو المنتخب ديمقراطيا كما يقال لم يحد عن ذلك التقليد الاعمى. المالكي هو الآخر صار يوزع الاسلحة على ضيوفه فهل تكمن المشكلة في أن هناك سلاحا سائبا أم أنها تكمن في ثقافة شعوب كانت قد قررت أن تستبدل السعي المشترك لبناء دولة القانون بالعودة إلى أزمنة ما قبل الدولة، حيث لا يجد الفرد حماية له إلا عن طريق الانتساب إلى قبيلة أو طائفة أو جماعة، يشكل السلاح لغتها المثلى الوحيدة وهي تتحاور مع القبائل والطوائف والجماعات الأخرى؟

 

ما من شك أن الوهم الذي وقع فيه الصوماليون يوم انقضوا على دولتهم ليحولوها إلى ذكرى تاريخية عابرة، لا يمكن أن تستعاد واقعيا قد وقعت فيه شعوب أخرى، شاء قدرها أن يسلمها الطغيان إلى الفوضى ليست المشكلة في السلاح، بل في الحاجة إليه كانت الدعوة إلى تسليح الثورة السورية نقطة البدء في انتقال تلك الثورة من مرحلة الحراك السياسي الشعبي إلى مرحلة سيكون تجار السلاح (كانت قطر في مقدمة الدول الراعية لتلك التجارة) سادتها، المتحكمين بمسارها واهدافها.

 

في ظل وجود سلاح حزب الله في لبنان فان وجود الجيش اللبناني يتخذ طابعا رمزيا. لذلك تتجه جماعات لبنانية تشعر أنها صارت مستضعفة إلى التسلح، رغبة منها في استعراض أحوالها في مناخ متشنج، صار المال السياسي فيه لا يكتفي بتلويث الضمائر بل صار يسعى إلى تدمير الوعي الوطني لقد تمكنت ثقافة السلاح من مواطنين، صار كل واحد منهن يعتبر نفسه صوتا لحق، ينبغي على الآخرين الانصياع له.

 

ربما صار علينا أن نلجأ إلى الافتراض لحل تلك المشكلة التي تهدد شعوبا كاملة بالفناء. فلو لم يدمر المحتل الاميركي دولة العراق لما شعر الناس هناك في الحاجة إلى السلاح. في ليبيا يصح الحكم نفسه، بالرغم من أن التدمير كان قد جرى هناك من الجو. في لبنان كانت جهات دولية وأقليمية عديدة قد تواطأت على أن تبقي الدولة اللبنانية سجينة في اطار عجزها وفشلها الآن تأخذ سوريا طريقها إلى التصنيف باعتبارها دولة فاشلة، وهي التي صارت غابة لسلاح، لن يوجه نيرانه إلى عدو حقيقي.

 

فاروق يوسف