شهدت المحاكم المصرية الاسبوع الماضي سلسلة من الاحكام المغلظة، كما شهدت مديريات الامن سلسلة اعتقالات تعسفية، ترافقت مع اصدار قانون مكافحة التظاهر، ما اثار قلق جماعات حقوقية محلية وهيئات دولية، وكان لافتا انتقادات كتاب ووسائل اعلام معروفين بتأييدهم للسلطات الحالية في مصر، كما كان لافتا اتهامات صحف عالمية لهذه السلطات بتصعيد الاجراءات المقيدة للحريات بعد الاطاحة بالرئيس محمد مرسي، وعودة الشرطة لممارسات عصر مبارك من ضرب وتعذيب بالاقسام ضد ناشطين كانوا خرجوا من اجلها في ثورة 2011.


المحاكم المصرية شهدت نشاطا كبيرا طيلة ايام الاسبوع الماضي، لكن يومي الاربعاء والخميس كانا مميزين، ففي سابقة قضائية ليوم الاربعاء قضت محكمة جنح الاسكندرية بحبس 14 فتاة من مؤيدي الرئيس المعزول لمدة 11 عاما وايداع سبع فتيات دور الرعاية الاجتماعية وفي نفس اليوم تم اعتقال طالب من مدرسته بمحافظة كفر الشيخ وحبسه بتهمة حيازة مسطرة رسم عليها شعار رابعة. ويوم الخميس الماضي اعتقلت قوى الامن ابرز ناشطي ثورة 25 يناير علاء عبد الفتاح، والذي تعرض هو وزوجته للضرب اثناء اعتقاله بتهمة التحريض على التظاهر.


الحملة الامنية التي بدأت في 30 يونيو ضد جماعة الاخوان طالت وفي وقت مبكر، وبعد اشهر قليلة نشطاء وجمعيات واحزابا سياسية اخرى. فالمظاهرات امام مجلس الشعب ضد قانون مكافحة التظاهر (ومن السخرية تسميته ‘تنظيم الحق بالتظاهر’) والتي شارك بها مئات النشطاء من خارج التيار الاسلامي، تم تفريقها باستخدام العنف. واصبح النشطاء من خارج التيار الاسلامي، بمن فيهم علاء عبد الفتاح ومؤسس حركة شباب 6 اكتوبر احمد ماهر، يلاقون نفس المصير الذي واجهه انصار التيار المؤيد للرئيس المعزول. هذه القوانين التي يتم تمريرها اليوم تحت عنوان مكافحة عنف الشارع، ستكون السيف الذي سيلاحق ايضا مؤيديها ممن يطلق عليهم او على بعضهم صفة ‘الليبراليين’.

المصريون الذين فرضوا بدمائهم حق التظاهر بانتفاضة 2011 يواجهون اليوم قانون ‘تنظيم الحق بالتظاهر’ الذي اصدره الرئيس عدلي منصور بعد اجتماع حضره وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، هذا القانون الذي تتمسك به الحكومة يقود لمزيد من الاحتجاجات والتوتر، ويوسع دائرة الانتقادات للعملية الانتقالية التي يقودها الجيش، خاصة انه صدر قبل اسابيع من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للبلاد، وباصداره خلقت الحكومة لنفسها معارضين من معسكرها الذين كانوا هللوا لعزل مرسي، ونجحت باستعداء قوى وحركات واحزاب لها ثقل وشعبية كبيران بالشارع مثل حركتي 6 ابريل وكفاية، وحزب الدستور.


قانون التظاهر هذا ترافق مع احكام السجن بـ11 عاما ضد 14 فتاة من التيار الاسلامي بتهمة التظاهر، بينما اكتفى القضاء باعتقال عشر فتيات لا ينتمين للتيار الاسلامي شاركن بمظاهرات ضد قانون التظاهر الجديد لعدة ساعات فقط (نسجل هنا معارضتنا لاعتقالهن ولو لساعة واحدة)، وقد تزامنت هذه الاحكام مع الحكم ببراءة ثلاثة من ضباط أمن الدولة (المنحل) من تهمة تعذيب خمسة متهمين لاجبارهم على اعترافات بانتمائهم لجماعات اسلامية محظورة قبيل المظاهرات الشعبية التي اطاحت بالرئيس مبارك.

تشهد تطورات الاسبوع الاخير على انزلاق الحكومة المؤقتة الى ارتكاب مبرمج للاخطاء في حق مؤيديها قبل خصومها، وهو استكمال لمسلسل الاخطاء الذي بدأ منذ الثالث من يوليو الماضي ونظرا الى التأخير الحاصل بتطبيق ‘خارطة الطريق’ تبدو هذه الحكومة في منعطف خطير، بل انها بعيدة جدا عن تحقيق الاهداف التي جاءت من اجلها، خصوصا ان هناك تأخيرا حصل لعملية تعديل الدستور، وتبدو النسخة الجديدة منه مثيرة جدا للجدل. فأقل الانتقادات الموجهة اليه انه لا يحمل روح ثورة 25 يناير، ولا حتى ‘ثورة/انقلاب’ 30 يونيو. أما الذين كانوا يرفضون مصطلحات الانقلاب العسكري والحكم العسكري فتأكدوا اليوم من ان وطأة العسكر على الحكومة المدنية هي التي تملي عليها القوانين الجديدة، كما انها هي نفسها التي القت بثقلها على لجنة الخمسين لكي تضاعف الحصانة للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد، ولكي توافق ايضا على استمرار محاكمة مدنيين امام المحاكم العسكرية، وهو مطلب آخر أضيف الى حركة الاحتجاج على قانون التظاهر.


لا عجب بعد ذلك اذا كان الاستطلاع الاخير للرأي الذي اجرته مؤسسة زغبي يشير الى عودة الانقسامات كما كانت قبل 30 يونيو، وان المتفائلين بالمستقبل لا يتوقعون استقرارا قبل بضع سنوات.