قبل أيام قلائل وفي خطوة غير مسبوقة. أصدرت الحكومة الأنغولية قرارا نص على حظر الإسلام وإغلاق المساجد ودور العبادة للمسلمين ثم هدمها في انغولا والذي يبلغ تعداد نفوسهم (المسلمين) نحو 100 الف نسمة. كما منع القرار مسلمي هذا البلد الافريقي من الاحتفال باعيادهم ومناسباتهم الدينية ايضا. وعلى أثر ذلك صدرت ردود افعال اسلامية، اللافت فيها أنها لم تكن بالواسعة أو العنيفة، لأن ما يحصل بين المسلمين أنفسهم الآن ومنذ سنين أعظم وأمر. ومن الردود على القرار الانغولي، دعوة خالد بن عبدالرحمن الشايع الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالنبي محمد (ص) ومنظمة التعاون الاسلامي والاتحاد العالمي لعلماء الذين المسلمين اضافة الى مؤسسات اسلامية اخرى للتحرك والاحتجاج على القرار ذاك. وفي مساء الأربعاء الماضي اجرى برنامج بلا حدود في فضائية الجزيرة لقاء مطولا مع أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي حول وضع الاقليات المسلمة في بعض دول العالم وكان قرار منع الاسلام في انغولا في مقدمة القضايا التي تناولها اللقاء.

 

وساعة صدور القرار، قدمت تفسيرات شتى له، منها المجزرة التي نفذها المجاهدون الشباب الصوماليون المصنفون على الإرهاب بحق عشرات الكينيين عند احتلالهم لمصرف شهير في العاصمة الكينية نيروبي. وكذلك المجازر التي ترتكبها منظمة بوكو حرام بشكل شبه يومي ضد مسيحي نايجيريا. ومن التفسيرات ايضا بناء مئات من المساجد للاقلية المسلمة في انغولا وتسييس الإسلام هناك ما دفع بالانغوليين حكومة وشعبا الى الاعتقاد بأنهم امام ظاهرة سياسية اسلاموية موالية لوطن اسلامي ام.

 

انصبت اكثرية التفسيرات على إدانة المنظمات الاسلامية المتطرفة التي تعيث في افريقيا واسيا فسادا. عليه والحالة هذه، فأن الخطوة الانغولية أوحت بأن "الوقاية خير من العلاج" ولقد عكست المقولة بين القوسين القرار المذكور. وقد تخطو الحكومة الانغولية خطوات أخرى باتجاه التضييق على الاسلام والمسلمين، وربما تجاريها حكومات افريقية اخرى مثل اثيوبيا وكينيا واريتريا وغيرها والتي تعاني بدرجات متفاوتة من الاسلام السياسي، وأن تتخذ اجراءات مماثلة للأجراء الانغولي. وليس ببعيد ان تتبنى دول مسيحية وغير مسيحية مواقف من الاسلام والمسلمين مثل مواقف دول اسلامية وغير اسلامية سابقة من الشيوعية، كأن تدعو إلى مكافحة الاسلام واعتباره فكرا هداما وإرهابيا وربما مستوردا وتشرع القوانين لمحاربته على غرار المكارثية في اميركا سابقا والتي اشتهرت بمكافحة الشيوعية، مع الفارق بين الشيوعية والاسلام السياسي. وقد تقود مضايقات المسلمين الى شن حروب دموية عليهم أينما كانوا ووجدوا كأن يطردوا ويقتلوا ويسجنوا ويجبروا على الرحيل. ويبدو أن لا رجعة للحكومة الأنغولية عن قرارها بحظر الاسلام وهدم المساجد..الخ وتبين ذلك من تصريح ادلت به وزيرة الثقافة في تلك الحكومة.

 

لا يغيب عن البال ان انغولا ليست وحدها من بين دول العالم اتخذت خطوات لضرب الاسلام والمسلمين، فقبل اصدارها لقرارها وقبل ايام ايضا، رفضت الحكومة الميانمارية البوذية منح الجنسية للافراد من شعب الروهينغيا المسلم رغم مطالبة منظمة الأمم المتحدة لميانمار بمنحهم الجنسية، والأنكى من هذا ان ميامنار حكومة وشعبنا هاجمت على مدى الشهور الماضية الأقلية الروهينغية المسلمة، واضرمت النار في العديد من مساجد المسلمين ولم تتورع حتى عن هتك الأعراض واجبار الاف منهم على الهروب الى دول اسلامية مثل بنغلاديش واندونيسيا وماليزيا وغيرها، ولم يجد نفعا استنكار الدول الاسلامية للاضطهادات التي انزلت بمسلمي ميانمار، ما يعني ان لا رجعة لحكومة ميانمار عن حربها على المسلمين، والتي، اي الحرب، تساندها الصين التي تنظر بعين الطمع الى الثروات المعدنية الهائلة تحت الأرض التي يقطنها المسلمون في ميانمار، وان الصين بدورها منشغلة منذ اعوام بمحاربة ومكافحة مسلمي تركمانستان الشرقية لديها، والذي يعمق من مأساة المسلمين الصينيين لجوء المنظمات التي تمثلهم الى الأرهاب، وأخر عملية ارهابية نفذتها احدى تلك المنظمات، تلك التي وقعت في احد الميادين الصينية وخلفت وراءها اضرارا جسيمة في الأرواح.

 

ونبقى في اسيا، ففي الوقت الذي يعترض فيه العالم الاسلامي على الغرب المسيحي "معاداته" للمسلمين والدين الاسلامي على حد قول ذلك العالم فأن هذا العالم ينسى أو يتناسى، ان الشرق البوذي صار منذ اعوام في حالة من الغليان والسخط على المسلمين دون الأقليات الدينية الأخرى. فقبل اعوام حين قامت منظمة طالبان الارهابية في افغانستان بتحطيم وهدم تماثيل بوذا، فان غضبا عارما عم البوذيين في كل مكان، والذي قاموا بردود فعل غاضبة منها، انه في ميامنار وحدها تم احراق العديد من المساجد. وليس حال الاقليات المسلمة في الفليبين وسريلانكا والهند بافضل من حال مسلمي الروهينغيا، ان لم نقل اسوأ، ففي الفليبين تتواصل الاضطهادات ضد المسلمين في جنوب الفليبين وقبل القضاء على نمور التاميل في سريلانكا، فأن معاداة التاميل للمسلمين استمرت لسنوات، وما زال الجفاء يهيمن على علاقات المسلمين السريلانكيين بالحكومة السريلانكية وبشعب سريلانكا أيضاً. اما الصراع بين المسلمين والهندوس في الهند فهو متجذر وساعد التطرف الاسلامي على تجذره اكثر، لذا لا غرابة ان نجد الصراع بين المسلمين والهندوس في هذا البلد سجالاً.

 

كل الادلة والوقائع تشير الى ان البادي في الاعتداء والعدوان، هم الاعضاء المنتمون الى المنظمات الاسلامية المتطرفة خاصة واحزاب الاسلام السياسي عامة والتي حولت بلداناً مثل العراق وسوريا ومصر وباكستان وافغانستان وغيرها الى جحيم للمسلمين واتباع الديانات الاخرى ايضاً. ففي مصر يجري اضطهاد المسيحيين الاقباط بشكل متواصل يأخذ صوراً عدة مثل قتل المسيحيين وهدم كنائسهم وتهجيرهم. وفي العراق لم يبق من مجموع اكثر من المليون ونصف المليون مسيحي سوى أقل من نصف المليون مسيحي. ومنذ اندلاع القتال بين الحكومة السورية والمعارضة في سوريا، فان وضع المسيحيين سار من سيء الى اسوأ، فلقد قتل منهم خلق كثر وأسيء الى رجال دينهم وكنائسهم، فاضطروا الى هجرة واسعة الى الغرب.

 

ان اعداد المسيحيين في البلدان الاسلامية الشرق اوسطية بالأخص في تناقص الامر الذي دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الى دعوة الدول الاسلامية الى منح الحقوق للمسيحيين واعلن عدم قبوله بشرق اوسط خال من المسيحيين. وقبله باكثر من سنتين كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد قال "يجب ان لايخلو الشرق من المسيحيين والغرب من المسلمين". ولكن ها هو الشرق يخلوا تدريجياً من المسيحيين، في حين يمتلئ الغرب بالمسلمين. ان الغرب المسيحي، اوروبا واميركا، وحتى في استراليا، راح ينظر الى المسلمين النظرة الى الارهابيين وذلك على خلفية عمليات ارهابية نفذتها منظمات اسلامية متطرفة كالتي طالت المركز التجاري العالمي في نيويورك بالولايات المتحدة كما وتعرضت عواصم اسبانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية الى عمليات ارهابية لا تحصى. واضطرت الدول المسيحية الى اتباع اجراءات صارمة للحيلولة دون تكرار العمليات الارهابية. ونتيجة لذلك فان سمعة المسلمين راحت تتدهور وتسوء في انحاء العالم المتمدن جراء الاعمال الاستفزازية للمنظمات الاسلامية المتطرفة التي اشاعت وما تزال بين المسلمين أفكاراً سوداوية ارهابية ظالمة لا تمت بصلة الى مبادئ الدين الاسلامي، والذي يؤسف له ان هذه المنظمات وظفت طغيان وجور الحكام المسلمين من العرب بالأخص، لتمرير مشاريعها الجهنمية وبث افكارها وضم قطاعات واسعة سيما من الشباب المسلم إليها. ففي تركيا الدولة الاطلسية وحسبما جاء في الانباء ان هناك 500 تركي يقاتلون الى جانب دولة العراق والشام الاسلامية في سوريا علاوة على مقاتلين مسلمين من جنسيات أوروبية واميركية وغيرهما.

 

والى الامس القريب والى حد ما الى الان أيضاً، كان المتهم الاول في معاداة المسلمين، حسب المسلمين، هو الغرب المسيحي، إلا ان دائرة المعاداة راحت تتسع لتشمل الشرق أيضاً، وها هي تمتد جنوباً لتصل الى القارة الافريقية والاسترالية واقولها بصراحة، انه بعد ان كان اليهود منبوذين غير مرغوب فيهم على امتداد قرون، واحتار الفلاسفة على اجماع العالم في كرهم، حتى ان كارل ماركس الف كتاباً بهذا الشأن سماه "المسألة اليهودية" وفيه رد السبب الى اليهود أنفسهم، فقد حل المسلمون محل اليهود في العالم وباتوا مكروهين منبوذين لدى امم العالم أجمع، ولا اغالي اذ قلت: انه في حال وقوع نزاع ديني أو طائفي بين جماعتين، فأن احداها لا بد وان تكون مسلمة!

 

لقد بدأ صبر العالم بالنفاد حيال تفاقم الارهاب الاسلامي ولا بد والحالة هذه، ان تقدم دولة على محاصرة الاسلام والمسلمين ويشجع على ذلك الوضع القائم والميؤوس منه في معظم البلدان العربية والاسلامية، فالصراع محتدم بين السنة والشيعة في لبنان وسوريا والعراق والبحرين.. الخ ويقتل العشرات من الطرفين في صراعات طائفية يومياً. ورغم حظر الاسلام في انغولا وحجب الجنسية عنهم في ميانمار الا ان وضع المسلمين في هذين البلدين افضل بكثير من وضع مسلمي العراق وسوريا واليمن.. الخ. ان السنة والشيعة لم يعودوا يقبلون بعضهم بعضاً، فكيف بالعالم الخارجي غير الاسلامي قبولهم؟

 

ان ما حصل ويحصل في انغولا وميانمار ودول اخرى ضد المسلمين بداية لحملة عالمية أوسع ضد المسلمين والدين الاسلامي ستكون لها تداعيات خطيرة على المسلمين، ان لم يتداركوا الاحداث بسرعة ويقضوا على الارهاب، ومن ثم الانسجام مع العالم غير الاسلامي والتكيف معه، والأ فان انهيار الاسلام وشيك ويتحمل السبب العالم الاسلامي قبل غيره.

 

عبدالغني علي يحيى