إذا كانت الاتهامات الموجهة إلى الرئيس المصري المعزول محمد مرسي صحيحة، وهي اتهامات تؤكد قيام الرئيس الاخواني بالتخابر مع ايمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة وهو مصري الجنسية، فان ذلك يعني أن جماعة الاخوان كانت قد قررت فتح أبواب مصر لذلك التنظيم الارهابي، للعب دور ما في المستقبل.

 

منطقيا فان اتصالا هاتفيا يجريه اخواني مصري مع قاعدي، لم تكن مصادفة أن يكون هو الآخر مصريا هو حدث أكثر من متوقع، فهناك الكثير من الأسباب التي تجعل من ذلك الاتصال اجراء عاديا يتم القيام به بين طرفين يحاربان في خندق واحد وإن اختلفت الادوات والاساليب والعدد القتالية التي يتبناها علنا كل طرف منهما، ويقف أمامهما عدو واحد، وإن تعددت أشكاله وأسباب الحكم عليه بالاقصاء والالغاء، وصولا إلى الابادة.

 

فالقاعدة وهي التنظيم الأشهر حول العالم الآن من جهة تبنيه للارهاب اسلوبا في التعامل مع الآخرين، أفرادا وجماعات ودولا لا يقف على مستوى أفكاره الأساسية بعيدا من فكر جماعة الاخوان، الذي كان الكثيرون يتوهمون في أنه يمثل الاسلام المعتدل، متناسين الكثير من الوقائع التي سبقت الجماعة من خلالها كل الجماعات الاسلاموية اللاحقة إلى الارهاب، ومنها الاغتيالات السياسية.

لقد فضحت العقود الأخيرة التي شهدت صعودا لافتا للجماعات والتيارات الاسلاموية كذبة ذلك الاسلام المعتدل، أو ما سمي بالاسلام الوسطي.

 

فبالرغم من أن ذلك النوع من الشعور والسلوك الدينيين كانا شائعين ويحكمان مجتمعات عربية عديدة بشروط ثقافية واخلاقية تقدم مصالح تلك المجتمعات المدنية على الانحياز الديني المتعصب والمتعنت الذي لا يمكن سوى أن يكون مدعاة للتمييز بين المواطنين، فان الاحزاب الدينية القائمة على اساس تقييم الآخر بناء على مذهبه وطائفته وفي مقدمتها جماعة الاخوان لم تكن تنظر إلى تدين المجتمع المعتدل بعين الرضا. والدليل على ذلك أن معظم التيارات والجماعات الدينية التي ترعرعت في كنف جماعة الاخوان كانت قد تبنت فكرا تكفيريا، لا يرى في محيطه الاجتماعي سوى حشد من التجمعات الضالة التي ينبغي اعادتها إلى حاضنة الايمان، حتى وان تطلب القيام بذلك الامر اللجوء إلى القتل.

 

بهذا المعنى فان جماعة الاخوان كانت عبارة عن مدرسة لتخريج القتلة، وإلا كيف يمكننا أن نفسر وجود هذا العدد الكبير من الارهابيين ممن كانوا يدينون في مرحلة من مراحل سيرتهم (النضالية) إلى الجماعة المصرية بالولاء؟

 

العلاقة بين جماعة الاخوان وتنظيم القاعدة لا يمكن انكارها، على الاقل على المستوى الفكري. وهي علاقة قد تشوشها بعض التصرفات العابرة، غير أنها تستمد صلابتها من جوهر واحد يعبر عنه مزاج سوداوي ينطلق من النظر إلى الآخر، كل آخر مختلف درجة ونوعا باعتباره عدوا. وهو ما كشف عنه اللثامَ سلوكُ الاخوان في سنة حكمهم الفاشل. فمرسي لم يحكم مصر سوى بصفته اخوانيا، وكان حريصا على أن يوجه خطابه إلى الاخوان، ولم يلتفت إلى القيمة الرمزية التي تنطوي عليها وظيفته باعتباره رئيسا لكل المصريين.

 

ومع ذلك فان تماهيه مع اخوانيته لا يبرر له قيامه بالاتصال بزعيم تنظيم ارهابي كان من الممكن أن تكون اخوانيته تلك حدثا محليا، اما وقد استعملها ليعيد إلى الواجهة الصلات الدفينة التي تربط ما بين جماعات ما يسمى بالاسلام السياسي والتي ترعى دولة قطر الجزء الاكبر منها بالتفاهم مع اجهزة مخابرات غربية فان ذلك يشكل خيانة صريحة للوطن وللشعب وللواجب وللوظيفة.

 

سيكون علينا دائما أن نتوقع هذا النوع من الخيانة من كل التيارات والجماعات التي تتبنى فكرا دينيا متطرفا ومتشددا وتمييزيا، وترفع شعار "الاسلام هو الحل" بالنسبة لفكر تلك الجماعات ما من كيان سياسي اسمه الوطن غير الوطن الاسلامي المتخيل، وما من جماعة بشرية اسمها الشعب غير الامة الاسلامية التي تقف متذرعة، تدعو الله أن يمن عليها بدولة الخلافة خلاصة القول فان الاسلامويين (دعاة خلط الدين بالسياسة وهما مادتان متنافرتان) هم نوع واحد يتوزع بين درجات سلم، يهبط بالبشرية إلى قاع معتمة لا تنتج إلا الارهاب.

 

فاروق يوسف