اعلان جماعة شيعية عراقية امس الخميس اطلاقها ست قذائف مورتر على موقع مركز العوجا الحدودي السعودي كـ’رسالة انذار أولية’، وتهديدها بتنفيذ عمليات مسلحة داخل الأراضي السعودية تطور مهم في معادلات الجغرافيا السياسية في المنطقة جماعة ‘جيش المختار’ أعلنت على لسان قائدها واثق البطاط، بحسب وكالات الأنباء، أن الهدف من ‘رسالة التحذير’ اخبار السعوديين ‘ان مخافرهم الحدودية ودورياتهم الحدودية في مرمى نيراننا’، وان العملية رد على فتاوى ‘التكفير وتأجيج الفتنة الطائفية ووصف الشيعة بالمجوس والخنازير والترويج لقتلهم’.


السلطات السعودية أكدت حصول العملية واتصلت، بحسب قول المتحدث الرسمي لحرس الحدود السعودي محمد الغامدي بدول الجوار ‘لاتخاذ الاجراءات اللازمة لتحديد مصدر اطلاق القذائف والعمل على منع تكراره’ فيما أكد سكان المنطقة المستهدفة تحليق طيران عسكري سعودي فوقها في اليوم نفسه تحمل العملية مدلولات ورسائل سياسية خطيرة بل وتفتح الباب ايضا لتطورات غير مسبوقة في المنطقة لا يبعد مركز العوجا الحدودي كثيرا عن مدينة حفر الباطن التي كانت مقراً لقيادة تحالف دولي دفع الرئيس العراقي السابق صدام حسين الى الانسحاب من الكويت، واستهدافه يعيد بطريقة غير مباشرة التذكير بهذا الحدث الهائل الذي ترك آثاراً كارثية على المنطقة العربية كلها.


وقد يعيد أيضا ذكريات أخرى لاضطرابات بين العراق والسعودية في عشرينات القرن السابق كان أطرافها الملك عبد العزيز آل سعود وفيصل الدويش قائد حركة ‘الاخوان’ الوهابية (وهي تختلف بالطبع عن جماعة الاخوان المسلمين) وملك العراق فيصل الأول، وتمثلت بصراع بين قبائل ‘الاخوان’ وقبائل جنوب العراق الشيعية استمرت عشر سنوات وخلّفت آلاماً وجراحاً أهم مدلولات هذا الهجوم هي توسيع حدود الصراع الدولي الاقليمي الجاري في المنطقة ليضع دولها كلّها، لا حدودها فقط، تحت تهديد التهشم والتفكك واعادة التركيب.


السلاح الأساس في تفكيك وتركيب المنطقة هذا هو إحياء وتجييش وتفعيل ما يسمى النزاع السني الشيعي بحيث يصبح أفعى موسى التي تلتهم أفاعي الصراعات السياسية الايديولوجية القديمة، من يسار ويمين، ورجعية وتقدم، وعلمانية واسلام سياسي ومحاور اقليمية أمريكية وروسية الخ…

في هذه الصيرورة الجديدة اكتشفت روسيا  فجأة نفسها في دور المستفيد الأكبر، بل وأحياناً في دور مايسترو اللعبة، مع تزايد انصباب المياه في طاحونتها، فخراب المنطقة العربية عن بكرة أبيها يبدو استثماراً ستقطف ثماره السريعة بارتفاع أثمان نفطها وغازها وسهولة ايصاله الى اوروبا والصين، وهما من أكبر المستهلكين لمواد الطاقة في العالم أما ايران، فتجد نفسها في منزلة بين المنزلتين، فهي ورقة كبرى في لعبة البوكر الروسية، وهي أيضا أكبر اللاعبين في الاقليم، فعقابيل الاحتلال الامريكي للعراق، والاستبدادات العربية، واستثمارها البعيد المدى في الأحزاب الشيعية في العراق ولبنان واليمن والبحرين والسعودية وغيرها، جعلها متحكمة وقادرة على الصرف من خزّان بشري لا ينفد.


التراجع الاستراتيجي الامريكي بعد فشلهم الكبير في افغانستان والعراق، والانحسار التدريجي لتأثير اوروبا السياسي أضافا لقوة الهجوم الروسي الايراني، كما ساهم في ذلك شيخوخة حكام السعودية المزمنة وترهّل وفساد آليات عملها السياسية الخارجية مما جعلها غير قابلة على مجاراة الحيوية السياسية الايرانية، وفوق ذلك كله ارتكابها اخطاء سياسية استراتيجية فاقمت هشاشتها وأضعفت اصدقاءها وقوّت أعداءها.


تراكبت استراتيجية الروس والايرانيين أيضاً مع الموجة الجديدة للثورة المضادة الزاعمة مناهضة الاسلام السياسي وهو ما قسم الساحة السياسية العربية وجعلها مطيّة سهلة للعودة الروسية والهجومية الايرانية ليست العملية، بالتأكيد، ردّا على ‘فتاوى التكفير’ أو أي من الأسباب التي أدلى بها قائد جماعة ‘جيش المختار’، فهذه الفتاوى تعود لعقود عديدة، كما أن آلة القتل والدمار وتبريراتها الطائفية في العراق صار لها سنين طويلة.


يتعلّق الأمر أساساً بمفاوضات ايران على ملفيها الأساسيين: مشروعها النووي، ونفوذها في منطقة المشرق العربي، وهو بالتالي ردّ على دور السعودية السياسي في هذين الملفين الردّ السعودي، اذا حصل، سيحدد آثار المعركة المقبلة.