لازال الخطاب المزدوج والمناور من قِبَلِ رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمضان لعمامرة نفسه. فهو يتحدث من داخل واجباته الدبلوماسية المعبرة عن توجهات النظام الذي يمثله، تكراره لنغمة أن الصحراء مستعمرة من طرف المغاربة ينقصها كل المصداقية وتعبر عن ديماغوجية كبيرة فالبوليساريو تبنتها وحركتها الآلة العسكرية الجزائرية لضرب كل عمل مغربي يحاول النهوض والسير في اتجاه البناء التنموي الديمقراطي والمؤسساتي.

 

كيف إذن تستقيم هذه السياسة التي تدعي بناء علاقات ثنائية طبيعية مع المغرب في نفس الوقت تحاربه عبر تدخلاتها المستمرة في جزء مهم من ترابه؟

 

عندما يقول وزير الخارجية الجزائري في ندوة صحفية مشتركة عقدها مؤخرا بمعية وزير الاتصال عبدالقادر مساهل بفندق الاوراسي، "بأن الجزائر تميز بوضوح بين مسألة الصحراء الغربية التي تندرج في إطار تصفية الاستعمار وهي على طاولة الأمم المتحدة وبين علاقاتنا الثنائية مع المغرب". بالتالي فخوض معركة خارجية عند النظام الجزائري ضد مصالح المغرب أهون عنده من معركة إصلاحية داخلية تتطلب جرأة كبيرة لاحتواء مضاعفاتها.

 

فالمفهوم والطبيعي أن يقوم المغرب شعبا وقيادة بالدفاع عن وحدة ترابه وأحقيته في ممارسة سيادته على مختلف أقاليمه وله كامل الحق في اهتمامه بالمواطنين المغاربة، وغير المفهوم ولا الطبيعي أن تتدخل الجارة الجزائر في شأن لا يخصها إلا إذا فهمناه في إطار المخطط المرسوم سلفا من قبل أجهزة النظام الجزائري المخابراتية، بفتح كل الواجهات الخارجية حتى يتم التغطية على المعيقات الداخلية التي يمر منها الشعب الجزائري والتمويه على كل ملفات الفساد التي كانت مؤسسات وشخصيات وازنة ضالعة فيها ولم يجد نظام الرئيس بوتفليقة سوى قضية الصحراء والمغرب لتصريف مشاكله عبرها.

 

في تسويق دبلوماسي يريد به تطمين الداخل الجزائري وكسب نقاط سياسية لصالح ولاية رابعة لبوتفليقة وإبعاد الأنظار عن الفشل في تحقيق ما وعد به من الانتقال إلى الدولة الديمقراطية المدنية بدل دولة العسكر الذين احتكروا الشرعية من خلال دماء الشهداء الجزائريين في حربهم ضد الاستعمار، أرادت دبلوماسية الجزائر أن تتمحور تحركاتها عبر اللعب على التناقضات الدولية والأوضاع غير المستقرة في المنطقة حتى تظهر كالحريص على مصالح الغرب والداعم للحرب على الإرهاب واستغلالها لغة العالم المدافع عن كونية حقوق الإنسان بإقحامها في ملف الصحراء والدخول عبر تلك الحقوق لمنازلة المغرب في صحرائه.

 

نعلم أن الجزائر لم تكن في يوم من أيامها متفاهمة مع تلك المبادئ الكونية أو شجعت على ملامستها داخل الحياة السياسية الداخلية، بالإضافة إلى تشجيعها لأنظمة عرفت بقمعها للحريات والحقوق وعندما تأتي الآن لتحاول الدفاع عن حق من الحقوق فوق أراضي دولة المغرب نعتبرها قبل أي مبرر حقوقي أو قانوني هو خرق للسيادة وتدخل سافر في شؤون الآخرين.

 

دبلوماسية بوتفليقة ومن اجل انفتاح برغماتي وبلا حدود على الأميركيين الذي كان سباقا في مفاوضتهم من تحت الطاولة على الصحراء في السبعينيات من القرن الماضي عبر وزير الخارجية هنري كيسنجر لتحفيزهم على أخد موقف ضد المغرب، وهو الآن يجدد آلته العسكرية بأسلحة أميركية بدل السوفياتية وأخرى متعلقة بالقواعد العسكرية كذلك فتح أبواب الجزائر أمام المستثمر الأميركي في مجال النفط.كل هذا من اجل محاصرة المملكة وإرهاقها دبلوماسيا وسياسيا وإعلاميا لتقديم تنازلات في ملف الصحراء تربح من خلالها الجزائر نقطا مهمة اقتصاديا وامنيا وسياسيا وتحكيم رؤيتها التوسعية وتحقيق الموقع الدولي وربح الموقع الاستراتيجي والاستئثار بالموقع الدبلوماسي.

 

فشل بوتفليقة ونظامه العسكري في الوصول بالمجتمع إلى مستوى متقدم من الديمقراطية والإنتاجية الاقتصادية والعمل على خلق بدائل متجددة في تحفيز الاقتصاد والتنافسية وتوسيع المبادرة السياسية مرورا إلى عمليات جذرية في الإصلاح الحقيقي لدواليب السلطة والاقتصاد كل ذلك كان مرده إلى طغيان خطاب اديولوجي وشعبوي والإسقاطات السياسية لازمة مستفحلة رغم ما عرف بسياسة الوئام وتعثرها الواضح في بناء الشكل المدني للدولة والفشل الذريع في انتقالها من مجتمع استهلاكي إلى منتج عبر إصلاح بنيوي رغم أن المجتمع الجزائري أعلن في أكثر من مرة عن رغبته في التغيير وهذا ما يخيف نظام الجنرالات الذين يريدون الحفاظ على وضعيات راهنة يجدونها استراتيجية من أجل استمراريتهم وحتى لا تتخلخل حساباتهم المتداخلة.

 

عندما نستقرئ التاريخ الجزائري وتعدي نظامه لكل الحدود الأخلاقية والقانونية والسياسية والإنسانية في حق المغاربة نجد الكثير من الوقائع التي تغطي على حادث فردي ولا يقاس بحرق الإعلام الوطنية المغربية وتدنيسها في مناسبات كثيرة أمام أنظار الأمن الجزائري.على سبيل المثال ذلك الطرد الجماعي والمتعمد لعائلات مغربية بأطفالهم ونسائهم كانوا يقطنون بالجزائر في يوم عيد الأضحى أثناء رئاسة هواري بومدين والتي أطلق عليها مسيرة سوداء حقدا على مسيرة المغرب الخضراء لاسترجاع أقاليمه المستعمرة من طرف الاسبان وبحضور الرئيس الحالي بوتفليقة طردا لم يعر أي وزن لقيم الجوار ولا نخوة الرجال ولا أعراف.هنا نسائل رمضان لعمامرة ماذا تقول في هذه الواقعة التي ينتظر الضحايا المغاربة فيها الإنصاف والتعويض على ممتلكاتهم التي صودرت ظلما وعدوانا؟ ونقول للدبلوماسي رمضان لعمامرة بأن نظامه الجزائري يعلم بالضبط ما الذي حدث وكيف يجب تجاوزه.

 

محمد بن امحمد العلوي