لم يخف العرب عدم ارتياحهم مما صاروا يسمونه تقاربا أميركيا ــ ايرانيا هم يشعرون بان هناك ما يحدث تحت السطح. وهو ما يفصح عن ارتيابهم بما تفكر فيه الادارة الأميركية وما يمكن أن تبذله من مساع لاعادة تأهيل النظام الايراني والقبول به قويا وصاحب صوت مؤثر في المجتمع الدولي، بعد عقود من النبذ والتجاهل والحصار والتهديد بمزيد من العقوبات.

 

وهم في ذلك يستذكرون الهدنة التي صنعتها المبادرة الروسية، حين اكتفى الراعي الاميركي بهدية كيماوي سوريا فصار النظام السوري شريكا في صنع السلام بعد أن كان عدوا يستحق العقاب حكاية نووي ايران من وجهة نظر العرب ستكون شبيهة بحكاية كيماوي سوريا.

 

النهاية السعيدة نفسها.

 

خشية صار البعض يتحدث فيها علنا. بل إن اصداءها وصلت إلى الجانب الاميركي، فهرع كيري ليهمس بكلمات لن تكون مصدر اطمئنان لعرب، صاروا يقتربون من اليوم الذي يعترفون فيه أن حجم تأثيرهم في تصاؤل مستمر وأن حلفاءهم ليسوا على ذلك القدر المتخيل من المصداقية.

 

ولكن لمَ يفترض العرب أن تقاربا أميركيا ــ ايرانيا سيجري على حسابهم؟

 

ألا تستحق ايران وهي التي قاومت الضغوط الغربية عموما والاميركية بشكل خاص أن تعيش فصلا من الراحة، بعد سنوات طويلة من الاجهاد، قضتها في المناورات وابتكار الحيل والنفاق السياسي من أجل أن تجهض امكانية أية ضربة اميركية أو اسرائيلية محتملة.

لقد قدمت ايران طوال المرحلة السابقة الكثير من الخدمات للغرب، وبالأخص للولايات المتحدة، في الوقت الذي لم يخفف فيه الغرب ولا الولايات المتحدة من لهجتهما المتشنجة واجراءاتهما الحازمة ضدها.

 

كانت ايران متعاونة في اسقاط نظامين صنفتهما الولايات المتحدة عدوين: نظام طالبان ونظام صدام حسين. ألا يكفي ذلك التعاون سببا لكي نشعر أن ما كان يجري على السطح، حتى وأن دفع الايرانيون البسطاء ثمنه اقتصاديا لا يمت إلى حقيقة علاقة الغرب بايران؟

 

لم يكن نووي ايران في حقيقته إلا تفصيلا ثانويا من تفاصيل تلك العلاقة.

 

ألم يكن ذلك كافيا لكي يشعر العرب بالريبة منذ زمن طويل؟

 

يعرف السياسيون العرب الكثير من اسرار تلك العلاقة، ومع ذلك فقد كانوا لا يظهرون ذعرهم من امكانية أن يحدث تبدل جذري فيها، بما يجعل تلك العلاقة تنتقل من السر إلى العلن، لتبدو كما لو أنها مكافأة لنظام، يعرفون جيدا أنه لا يضمر لهم مشاعر ايجابية.

 

في حقيقة الامر فان ايران قوية، من غير ضغوط دولية لابد أن تكون مصدرا للمتاعب في الكثير من الدول العربية، خاصة وأن نظامها المستند إلى فكر طائفي متشدد لا يخفي مساعيه في التمدد فكريا، على الاقل في ما يعتبره مجاله الحيوي.

 

فإذا كان ذلك النظام قد تدخل في الشؤون الداخلية لعدد من البلدان العربية في الوقت الذي كان فيه واقعا تحت ضغط العقوبات الدولية، فما الذي سيفعله حين تُرفع عنه تلك العقوبات؟

 

وهو ما كان على العرب أن يستعدوا لمواجهته في أية لحظة خبرتهم بالغرب لا تحتاج إلى وقائع سيئة جديدة يتأكدون من خلالها أن ذلك لغرب الذي يظنونه صديقا يمكن أن يتخلى عنهم، بعد أن يضمن مصالحه لديهم وحاجتهم الكلية لحمايته، ليلتفت إلى مصالحه في مناطق أخرى من العالم، ومنها ايران.

 

لم ينتبه العرب أن علاقتهم بالغرب كانت تشهد ومنذ عقود ترهلا، وقف حاجزا بينهم وبين تطوير تلك العلاقة، لتنتقل من موقع الارتهان الكلي لمشيئة الغرب إلى موقع الشراكة الحقيقة بين حليفين، تجمع بينهما مصالح مشتركة.

 

الآن صار على العرب أن يغضبوا وهم يرون أن الغرب لا ينظر إلا لمصالحه لديهم والتي صارت مضمونة بشكل مطلق. اما مصالحهم فلا تستحق أن يلقي عليها نظرة تمنعه من الحاق الضرر بهم.

 

ولكن لمَ لا يشعر العرب بخساراتهم، إلا حين يربح الآخرون؟

 

فاروق يوسف