إنها الذكرى الثامنة والثلاثون على انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة حيث قام ملك وشعب بتسطير أروع ملاحم الترابط، مسيرة كانت في العام 1975 تم بفضلها استرجاع الأقاليم الجنوبية التي كانت محتلة من طرف الإسبان.

 

ولا زالت تلك المسيرة مستمرة تؤكد يوماً بعد يوم عبقرية مبدعها وحزم الممسك بقسمها الآن، مباشرة بعد انتهاء الخطاب الملكي الذي وجهه العاهل المغربي محمد السادس بهذه المناسبة حتى بدأ القصف الإعلامي والتعليقات المسيئة بمنطق عدائي ورؤية حاقدة ونفسية مريضة، الأمر الذي يؤكد على أن إثارة النعرات والمشاكل والنفخ في كل ما من شأنه ضرب أي محاولة حقيقية للتعاون أو استحضار المنطق السليم وحسن الجوار، كل هذا التصعيد يؤكد بلا شك أن المخابرات الجزائرية ماضية في استهلاك كل حطب الشقاق وإشعال نار الفتنة.

 

المسيرة الخضراء كانت ذات طابع سلمي وكانت موجهة ضد الاحتلال الاسباني وكان الانتصار حليف المملكة، لكن أعداء السلمية وصناع المؤامرات ومبتدعي المقولات الديماغوجية حاولوا بكل السبل ولا زالوا متشبثين بأن يؤثروا على المسار النضالي السياسي السلمي الذي نهجه المغرب بنفس عالٍ وفق استراتيجية شملت جميع الجوانب القانونية والسياسية والثقافية والتنموية تنم عن خبرة استثنائية بدأها الراحل الحسن الثاني ويتممها الآن الملك محمد السادس في تدبير ملف الصحراء منذ الاحتلال الاسباني إلى حدود الآن مع البوليساريو وحليفتها الجزائر.

 

المغرب بفضل سواعد أبنائه تخطى مجموعة من الصعاب والعراقيل منذ انطلاق المسيرة واسترجاع الأقاليم الجنوبية ولا زال قائماً بالواجب اتجاه هذا الجزء من التراب المسترجع، حيث أن كل الأقاليم الشمالية والغربية والشرقية تمول مشاريع التنمية والرفع بالبنية التحتية بالإقليم المسترجع ليقف على رجليه،هناك بعض العقول المريضة تحاول تشويه الحقائق التي لا غبار عليها في أن تمويل كل المشاريع التنموية بالصحراء كانت من خزينة الدولة المغربية وبأن ثروات المنطقة لا تغطي ولو جزء يسير من تلك الأموال وهذا ما أكد عليه العاهل المغربي قائلاً: "في إطار التضامن الوطني، فإن جزءا مهما من خيرات وثروات المناطق الوسطى والشمالية للمغرب، يتوجه لتلبية حاجيات مواطنينا في الجنوب، وذلك عكس ما يروج له خصوم المغرب، من استغلال لثروات الصحراء. وهو ما تؤكده جميع المؤشرات والمعطيات الاقتصادية الخاصة بالمنطقة".

 

وبلا جدال تعتبر الأقاليم الجنوبية فعلاً قد سارت في ركب التنمية وباتفاق تام بين مجموعة من التقارير والتحقيقات الرصينة وباعتراف الدول التي تحترم العدل والشرعية التاريخية والقانونية.

 

المبادرة المغربية المتمثلة في حل الحكم الذاتي الموسع في إطار السيادة والوحدة الوطنية تعبر عن النية الصادقة في بحث المملكة الدائم عن كل ما من شانه التسوية والانتهاء من مشكل خلقته وافتعلته ودعمته حفنة من العسكريين الجزائريين والمتحالفين معهم المتآمرين على وحدة التراب المغربي، الدستور المغربي يعبر بشكل واضح على احترام الخصوصيات الثقافية واللغوية لكل مكونات الشعب بما فيها الأقاليم المغربية الجنوبية وهذا ما تؤكده أدبيات تلك المبادرة المقدامة تفاديا لأي شرخ يريده الآخرون في جسم الوطن.

 

لكن يقظة المغاربة حالت دون ذلك حيث قال في هذا الصدد العاهل المغربي في خطاب المسيرة الخضراء "فشعبنا الوفي يتميز بإجماعه الراسخ حول وحدته الترابية، وبتجنده الجماعي للتضحية في سبيلها. فالصحراء قضية كل المغاربة دون استثناء، وأمانة في أعناقنا جميعاً. كما أن المغرب ليست له، ولله الحمد، أي عقدة في التجاوب الإيجابي مع التطلعات المشروعة لمواطنيه، أينما كانوا".

 

إن مجال حقوق الإنسان تم تكريسه والمحافظة عليه كمكسب وطني في دستور المملكة وثمنت هذا الحضور مجموعة من المنظمات المهمة والشخصيات الوازنة والصحافة التي تحترم مهنتها، فقضية حقوق الإنسان مسألة محورية داخل الثقافة السياسية للمغاربة الذين دأبوا على احترامها وتجذيرها داخل منظومتهم القانونية وممارساتهم السياسية في إطار تصالحي مع الذات والأجيال. بالطبع كانت هناك تراكمات بعد معاناة في ترسيخ هذا الأمر وليست المسالة في أننا أمسينا وأصبحنا نمتلك هذا المقوم الهام بجرة قلم بل كان المغرب مستمعاً جيداً لكل الأفكار الايجابية غير التدخلية والمفعمة بروح بناءة تنشد الاستمرار في تكريس مبادئ حقوق الإنسان، بالتالي فالعجب العجاب أن ترى من يديه ملطخة بالقمع وكبت الحريات وانتهاك ابسط الحقوق والمتكئين على إعلام مأجور وبعض المنظمات التي تبيع تقاريرها لمن يدفع أكثر ولا يهمها في العمق مدى احترام حقوق الإنسان، ليأتي ويحاضر فينا في ضرورة تطبيق حقوق الإنسان فوق ارض الصحراء المغربية، وكان العالم لا يرى ولا يسمع ما حققته المملكة في هذا الاتجاه.

 

وانظر ما قاله الملك في حق هؤلاء "إن بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعة الأوضاع في المغرب. غير أن من بينهم، من لهم توجهات معادية لبلادنا، أو متأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحياناً، مع الأسف، على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة، التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم".

 

هناك فرق بين ممارسة الحق في الحياة بكل تجلياتها القانونية والسياسية والاقتصادية وبين الفوضى في تدبير ذلك الحق وممارسته لتصبح العدالة هي الفيصل في الحكم وليس خطاب تحريضي بأبعاد تآمرية يستغل حقاً ما في تغيير وجه الحقيقة ونعتبر هذا هو ضرب حقوق الإنسان الحقيقية في الصميم، هذا ما أشار إليه الملك محمد السادس في خطاب الذكرى الثامنة والثلاثين من المسيرة الخضراء حيث قال "إن المغرب، بقدر ما يحرص على التعاون والتفاعل الإيجابي مع المنظمات الحقوقية الدولية، التي تتحلى بالموضوعية في التعامل مع قضاياه، ويتقبل، بكل مسؤولية، النقد البناء، فإنه يرفض أن تتخذ بعض المنظمات، في تقارير جاهزة، بعض التصرفات المعزولة، ذريعة لمحاولة الإساءة لصورته وتبخيس مكاسبه الحقوقية والتنموية. فهناك مثلاً من يصدقون، ظلماً وعدواناً، أي شخص يدعي أنه تم المس بحق من حقوقه، أو أنه تعرض للتعذيب، ولا يأخذون بعين الاعتبار أحكام العدالة، بل وما يقوم به المغرب على أرض الواقع".

 

ويزيد مؤكداً على أن "كل الدول ترفض أن تتعرض لأعمال تمس بالأمن والاستقرار لأن حقوق الإنسان تتنافى مع العنف والشغب وترهيب المواطنين، ولأن ممارسة الحريات، لا يمكن أن تتم إلا في إطار الالتزام بالقانون".

 

دائماً وفي مجال الحقوق والحريات انخرط المغرب بشكل موسع ومكثف في جميع المقررات والتوصيات التي تصب في خانة احترام تلك الحقوق، لكن هناك من يصطاد في الماء العكر ويحاول دائما قلب الحقائق وتشويه كل المكتسبات التي حققتها المملكة في هذا السياق تلبية لأجندات معادية للمغرب الذي دافع بكل قوة على صدق دعواه وتشبثه بشكل لا يدع أي مجال للشك في وحدته وسيادته مهما كانت الجهة التي صدرت منها او ستصدر عنها مستقبلاً أي مشاريع قرارات او تلميحات باقحام مجال حقوق الانسان في صفقات سياسية تؤثر على وحدة وسيادة واستقرار المملكة.

 

وهنا لا بد من الوقوف بشكل تأملي وانتباه تام الى سؤال استراتيجي طرحه الملك محمد السادس في خطابه حيث قال "وإذا كانت معظم المواقف الدولية تتصف بالموضوعية والواقعية، فإن ما يبعث على الأسف أن بعض الدول تتبنى، أحيانا، نفس المنطق، في تجاهل مفضوح، لما حققته بلادنا من منجزات، وخاصة في مجال الحقوق والحريات. فهذا الخلط والغموض في المواقف، يجعل طرح السؤال مشروعاً: هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركائه الاستراتيجيين، بخصوص قضية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية؟ بل إن مجرد وضع هذا السؤال يوضح أن هناك شيئاً غير طبيعي في هذه المسألة".

 

لم يستسغ النظام الجزائري ذلك الاقتحام الدبلوماسي الاقتصادي والسياسي الذي قامت به المملكة المغربية داخل القارة السمراء وكأن المخابرات العسكرية الجزائرية عندما تأتي بوزيرها الجديد في الخارجية رمضان لعمامرة سوف يوقف تلك النجاحات ويحجم دور المغرب، والاجابة تكمن في حضور الملك لحفل تنصيب الرئيس المالي الذي كان صاعقة لجنرالات الجزائر ضعاف البصر والبصيرة وافتقادهم القدرة على استشراف المستقبل.

 

المغرب ذهب بعيدا في الاعتراف للمهاجرين الأفارقة بالحق في الحياة والإقامة والمرور بكل احترام وكرامة وهذه دعوة لمن يجادل في وجود وتفعيل واحترام حقوق الإنسان داخل المملكة عبر أقاليمها أن يراجعوا أوراقهم المغلوطة وليذهبوا رأسا إلى الأماكن التي تنتهك فيها الحقوق بالجملة، ولن تفوتنا هنا تلك النبرة الواثقة التي خاطب بها العاهل المغربي من يتهم المغرب ظلماً بان يغير وجهته ونظرته حيث قال بأن "المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال، خاصة من طرف من ينتهكون حقوق الإنسان، بطريقة ممنهجة. ومن يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تندوف، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان".

 

محمد بن امحمد العلوي