لم يكنْ يخطرُ ببالِ فخامةِ الرئيس، وجماعته، وأهله وعشيرته..ولا كل أولئك الذين يحملون المباخرَ من حوله، يقدسّون اسمه، ويسبّحون بعودته ليلاً ونهاراً، أن يوماً سيأتي، ليحمل فيه لقب "المعزول"، ليدخل القفص، فيما سيحتفظون هم مرّة أخرى بتاج الجزيرة..كجماعة محظورة.

 

وكأنّ كلّ من هلّلوا وانتفضوا في مناوشات "الزار" الإخوانية المعتادة في شوارع مصر هذه الأيام، قد باتوا اليوم في قلب السرداب غير مأسوفٍ عليهم، بانتظار "إمامهم الغائب" الذي يبشرون بعودته مرة أخرى، على أنغام خزعبلات رددها يوماً ما، مهووسون ودجالون، من عينة البلتاجي وحجازي، أوعزوا للناس أن "بعد بكرة العصر..مرسي ح يكون في القصر" فيما الحقيقة الشامتة، أن الرجل بجماعته قد أصبحوا رهائن قفص حديدي، لا يملكون إلا أن يتراقصون فيه رقصتهم الأخيرة.

 

ماذا عساهم الآن، وهم يأتون بصحائفهم في أيديهم، وخيلهم وبعيرهم، بسيوفهم وحجارتهم، بتهديداتهم ووعيدهم، التي سرعان ما اختفت كزبد البحر، إمّا هرباً في ملابس النساء، أو بحثاً عن صفقة تضمن بقاء التنظيم وعودة الشرعية.

 

كانت "الطير الأبابيل" من ملايين الشعب، ترميهم "بحجارةٍ من سِجّيل"..فإذا هم، برئيسهم ونظامهم، بـ"بديعهم" و"بلتاجيهم"..بـ"عريانهم" و"حجازيهم"..بـ"عزّتهم" و"عرّتهم"..أصبحوا في غضون ساعاتٍ قليلة "كعصفٍ مأكول".

 

ماذا عساهُم أن يكونوا غيرَ ما كانوا..والآنَ تحديداً، بعدما وقع "الاستبن" الأكبر الذي ما أغنى عنهُ مالُهُ..وما نَهَبْ، في قفص الاتهام، فيما هناك في ميادين عديدة، وبيوت كثيرة، من لا يزال يرفعُ يديهِ إلى السماءِ، ويقرأ المعوذتين و"تبّتْ يدا أبي لهب"..حتى خرجت أبواق الجماعة صارخةً بكل اللطميات القديمة، وادعاء المظلومية..الوهمية منها والحقيقية: "هاكم كتابيه"..كانت فيها صورُ لعزيز مصر، ومرشد عزيز مصر، ومعهما أم أيمن، التي جمعت يوماً حوارييها، ليُجمعنَ على "مرسي"..ها هنَّ الآن يقطعّن أيديهنّ، ليس من فرط جمال "نبيّهم" المزعوم، وليس من هيبة الجموع المدهشة التي أحاطت بجميع القصور، والميادين، والمقرّات، وأسقطت أصنام الجماعة الكبرى..ولكن استكباراً وعلوّا في الأرض، وليس ندماً على ما فرّطوا في حق الشعب!

 

وبينما تساءل أحدهم يوماً وهو في السرداب: {مَنْ فَعَلَ هذا بآلهتنا} ودمّر مقرات الجماعة، وتسبب في إسقاط "الشرعية" وأطاح بالصندوق في غياهب الجب؟ لم يجرأ أحدُ على البوح بأن {فعلهُ كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}..

 

لم ينطق أحد..

لم يكتب أحد..

لم يعترف أحد..

 

قال قائلٌ منهم ادّعى "المصالحة": يا بنيَّ اركبْ معنا، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يا بنيّ..فليكن استفتاء على الرئاسة، أو تغيير الحكومة، أو إقالة النائب العام..لكن "الابن" صرخ في كل خطبه: سآوي إلى جبل المقطم، حيث الجماعة، بكهنتها ومكتب إرشادها ومناصريها استكبروا وكرّروا الأسطورة: سنأوي إلى صندوق أسود، و"شرعية" تعصمنا من نارِ الثّورة، كانت التظاهرات والحرائق والاعتداءات وإلقاء الصبية من فوق أسطح العمارات.

 

لم يفهموا جميعاً أن لا عاصمَ اليومَ من حسابِ الشّعب..

 

الآن..وفي قفص الاتهام، وأمام قاضٍ لم يكن يتخيل أيُّ من "هُبَلِ" الجماعةِ أن يجرأ على مساءلته..

امدُدْ يَدَكَ في جيبك، تخرج سوداءَ بكلّ سوء..

في يوم حسابك، يكون الصراطُ مستقيماً، لا كما كان طيلة عامين، أعوجَ وقليل الذمة، يترنّح هناكَ ما بين القصر وما بين مكتب الإرشاد، حيث في الأخير لا حاشية هناك، ولا أولئك السّحَرة الذين رموا بقنابلهم وحجارتهم وعصيّهم، فخُيَّل لك أنها تسعى..

 

لم تكن الصرخةُ الكبرى التي دوّت في قصر الرئاسة، أو في مقر الجماعة في المقطم، ولم تبثها شاشات التلفاز: كيفَ تثورونَ قبل أن آذن لكم؟ مَدْخلاً لفهمِ ما جَرى في السّاحة الكبرى، لكنها كانت تعبيراً عن المأزق، فالصرحُ الذي بنى به "هامان" الإخوان سُلّماً ليرى ربَّ مرسى، سرعان ما كان مقبرة لما ادّعوا أنه مشروع "النهضة"..ومحرقة لمافيا الفنكوش الجديد، ومزبلة التعامي عن رؤية وجعِ الناسِ، ورفضهم..على حقيقته وبساطته..

 

إنه الفكر الذي روّج لمشاريعَ وهْمية..

إنها الخطط التي أرادت اختصار بلدٍ بأكمله، في شرعية ملعونة..

 

إنهم المضحوك عليهم والضّالون والمضَللون والمضِللون بصندوقِ انتخابٍ لم يكن يردد إلا مقولة مرشدهم "طظ في مصر"!

وإذْ قالوا..اضربْ بعصاكَ الشّعبْ، {فانفلقَ فكانَ كلّ فرق كالطودِ العظيم}..فكانت ميليشيات الجماعة..

 

كان المجرمون والمحرضون والصاخبون بحثاً عن مسرح عبثي في رابعة والنهضة، يجعلون منه كعبتهم المقدسة!

 

كان التدليس على سيّد الأنبياء وإمامة "مرسي"، وكان الكذب على "جبريل" بأنه يُوحي إليهم على حين غرّةٍ من الليل..وكان جهاد النكاح..علامة على استحلال كل شيء!

ولمّا انقلبَ السّحرُ على السّاحر..

 

جاء من أقصى القصرِ رجلً يسعى، قال يا قوم، آنَ لكم أن تختاروا: شرعية القوة...أو التدخل الأجنبي!

 

ومشى مّنْ كانَ قبلَ قليلٍ يدعو للتقوى والصّلاح:{ربّ افرغْ علينا صبراً وأنت خيرُ الرّازقين} وما هي إلا أشهرَ معدودة، وعِدةٌ مكتوبة، فتربّصوا به أربعة قروءٍ يستبينُ فيها تمامُ السلطة باسم استكمال الفترة الرئاسية..

 

فشلت الخدعة..

ورفعَ الجميعُ أيديهم إلى أعلى..

 

ولمّا أطبقَ عليهم البحرُ، وأدركوا أن مّنْ في الميادين، وربوع مصر الأخرى، هم الآن الحقيقة الجليّة..قال الكهنةُ جميعاً وبصوت واحد: آمنّا بالصندوق وحده، لا بمطالب الشعب المشروعة.

انتهت اللعبة، فيما تبدأ الحكاية..مجرد قفصٍ حديدي، وراءه رئيس معزول وسابق، فيما تظل الرسالة الأبدية لمن يقرأ أو يفهم، ولكل من يحاول استغفال الشعب.

في ذات المكان..ومن ذات القفص الذي احتضن قبل عامين وثلاثة أشهر أول رئيس مصري..دخل ممدداً على سرير طبي، إلى رئيس آخر، دخل على قدمين ترتجفان، عينان زائغتان..عامان ورئيسان، بينهما شعبُ وفي المصير يتشابهان..

 

من محمد حسني السيد مبارك..

 

إلى محمد مرسي عيسى العياط..

 

نحن السابقون وأنتم اللاحقون..نشكركم على حسن تعاونكم!

 

محمد هجرس