لا يزال هناك من يوهم نفسه أن العالم مهتم بطريقة إنسانية بما يجري في سوريا، بالرغم من أن كل المعطيات السياسية تؤكد أن مصير الإنسان السوري هو آخر ما يمكن أن يشغل تفكير ذلك العالم الذي يبدو مهتما بالشأن السوري سيكون علينا في هذا المجال أن نميز بين نشاط منظمات الاغاثة والمساعدات التي تقدمها الدول من أجل أن تقوم تلك المنظمات بعملها بطريقة سلسة وبين النشاط السياسي الذي تعلن الدول الكبرى وهي المقصودة بمصطلح "العالم" من خلاله التزامها بدورها في رعاية السلم الاهلي في البلدان التي تشهد صراعات داخلية، وهو ما يعني ضمنيا اجبار الانظمة على عدم اهدار حق مواطنيها في العيش الكريم.

 

منذ أكثر من سنتين ونصف والنزيف السوري مستمر، من غير أن تصدر من المجتمع الدولي أية اشارة تدل على رغبته في أن يضع حلا عاجلا للازمة في سوريا بدءا من ايقاف ذلك النزيف وانتهاء باقرار مبدأ المصالحة الوطنية كان الحديث عن اللاجئين دائما أعلى من الحديث عن المواطنين الذين لا يزالون يقيمون في بيوتهم التي لم تعد آمنة. ولم يتم الحديث عن الفئة المقيمة إلا حين حلت المجاعات في عدد من البقاع التي تشهد احتداما في النزاع المسلح.

 

كما لو أن هناك قوة ترغب في أن يتحول السوريون كلهم إلى شعب لاجئ كانت هناك دائما مؤتمرات يحضرها أصدقاء الشعب السوري الذين تمثلهم الدول التي ناصرت الاحتجاجات السلمية ثم اندفعت في تسليح المعارضة ومدها بالمال وتوفير الغطاء الاعلامي الذي يقدمها إلى العالم ومن اللافت أن كل تلك المؤتمرات لم تشهد طرح مبادرة لانهاء الأزمة عن طريق حل سياسي، يضع في ميزانه أن هناك موالاة مثلما أن هناك معارضة.

 

فالنظام الذي صمد امام هجمة صارت عبارة عن باب مفتوح تسللت من خلاله عصابات مسلحة قدمت من مختلف انحاء الأرض لا بد أن يكون لصموده معنى داخلياً، غير ذلك المعنى المرتبط بدعم روسيا وايران والميليشيات الشيعية المرتبطة بها.

لم يظهر أصدقاء الشعب السوري أية حماسة تذكر لانقاذ ذلك الشعب من الموت عن طريق التفكير في السلم حلا، بل كان حديث الصداقة كله منصبا على محاولة الاجابة على السؤال الذي يتعلق بإدامة تلك الحرب التي كان من الممكن أن تنتهي في أشهرها الأولى من خلال قرار دولي متوازن، يكون ملزما لكل الاطراف.

 

ولكن ذلك لم يحدثكانت فكرة اسقاط النظام ذريعة لكي يُسقط الغرب عن نفسه مسؤولية حماية المدنيين في حرب كان الغرب نفسه قد دخل فيها طرفاً وهو يعرف جيداً أن تلك الحرب لن تنتهي أبداً، ذلك لأن الجهة الدولية الاخرى التي تقف مع النظام لن تسمح للقوى التي يدعمها بالانتصار.

 

كان واضحاً للعالم، غربه وشرقه أن لا أحد من الطرفين سيسمح للطرف الآخر بالانتصار، وهو ما يعني استمراراً للنزيف السوري كانوا يتحاورون دبلوماسياً في الوقت الذي تزداد فيه أعداد القتلى والمنكوبين والمهجرين والمعتقلين واليتامى والمغدورين في صفوف الشعب السوري. حتى ليُخيل لي أن مأساة ذلك الشعب صارت حكاية يتسلى السياسيون المتفرغون حول العالم في تأليف فصولها الدامية.

 

شيء من العبث اللامعقول الذي جسده صراع القوى الدولية فيما بينها صار السوريون مادة ريائه ونفاقه وأبجدية عناده الفارغ لقد أخطأ السوريون، نظاماً ومعارضة حين ظنوا أن الحل لن يكون سوريا.

 

الآن ومن خلال الدعوة المبرمجة لانعقاد مؤتمر جنيف 2، هل سيكون الحل خارج اطار مفهوم الدولة السورية، الذي سيكون النظام القائم جزءاً اساسياً منه، بل الجزء الذي يمتلك مفاتيح اعادة هيكلة الدولة؟

 

كان الشعب السوري هو الخاسر الوحيد في حرب شنها النظام لتكمل المعارضة فصولها، في ظل صراع ارادات دولية لم تكن ترعى إلا مصالحها.

 

فاروق يوسف