ولعل من بين الأسباب التي ثم تبنيها نجد من يعود إلى الحقبة الاستعمارية، ومن يرجع إلى الفترة التي أعقبت  الاستقلال، ومنها ما يجد مبتغاه في عصرنا الحالي.

الفقرة الأولى : الأسباب التاريخية للتدخل الجزائري في قضية الصحرا لفهم دواعي الدعم الجزائري للأطروحة الانفصالية، المتوارث من قبل حكام الجزائر لا بد من استنطاق الوقائع التاريخية.

 

ادعاء تخلي المغرب عن الثورة الجزائرية :

 

فالجزائر ترى بأن السلطان المولى عبد الرحمان تخلى عن دعم الثورة الجزائرية التي كان يقودها الأمير عبد القادر و التي كانت تهدف إلى الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي. فمنذ احتلال الجزائر في سنة 1830 من طرف فرنسا لم يتوقف المغرب عن تقديم المساعدة للجزائر، حيث قدم لهم الأسلحة و العتاد الحربي إما مجانا أو بتقديم تسهيلات لهم لتمكينهم من شراء الأسلحة من الخارج.

 

و قد لعبت مدينة تلمسان دورا أساسيا في استقبال جل المساعدات المقدمة للثورة الجزائرية، حيث كانت تصلها تبعا مجموعة من القوافل المحملة بالأسلحة و العتاد، و بالبضائع الأخرى، هذا بالإضافة إلى دخول العديد من المغاربة للجهاد جنبا إلى جنب مع الأمير عبد القادر سيما القبائل المغربية القريبة من الحدود حيث ساعدت الثورة الجزائرية في حرب         1836.

 

و لم تقتصر المساعدة المغربية على الأسلحة فقط بل امتدت لتشمل جوانب أخرى مثل تقديم الحبوب، و الخيام و لعل الخيمة التي كان يتخذها الأمير مقرا للجهاد كانت من إهداء  السلطان المولى عبد الرحمان. و كان السلطان يقوم بهذا العمل بدافع إعلاء كلمة الله و في سبيل نصرة الإسلام و قد شعرت السلطات الفرنسية بقوة المساعدات التي يقدمها المغرب للجزائر، و عبر على ذلك صراحة الوزير الأول الفرنسي بعد معركة الزقاق سنة 1836 حيث قال " منذ الآن لم يعد هناك شك في وجود مساعدة المغرب للأمير عبد القادر، فمن هذه البلاد كان يجمع قواته بعد أن يفر و ينهزم و يحمل منها الجنود و الأسلحة و العتاد الحربي، و من هذا البلد – الذي أكد فيما قبل بأنه يريد البقاء  صديقا لفرنسا و يحترم ممتلكاتها – كان الأمير عبد القادر يجلب أسلحته التي يشعل بها النار ضد جيوشنا.

 

فالمغرب إذن قام بربط مصيره السياسي و الاقتصادي بمصير جيرانه الجزائريين، و ذلك بدعم الجزائر و تقديمه إليها مساعدات مادية و معنوية بغية تخليصهم من الاستعمار و التي كانت نتيجتها تعرضه هو كذلك للاستعمار و رغم العناية التي أولاها السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام إلى الثورة الجزائرية بزعامة الأمير عبد القادر-الذي سيبرز اسمه بحلول 22 فبراير 1832 كأمير للمجاهدين و لم يتجاوز عمره آنذاك 22 سنة إلا أن هذا لم يلغ انضمام جل الثوار إلى حلف النصارى عندما تم الاستيلاء على مدينة وهران بسبب ضعف إيمانهم و تشتت كلمتهم.

 

لقد نال الأمير تعاطفا كبيرا من لدن القبائل المغربية المتاخمة للحدود الجزائرية، كما نال كذلك رضا السلطان الذي هب لمساعدته و تقديم جميع أنواع المساعدات إليه، حيث أمده بالعتاد لأزيد من عشر سنوات، كان يتحرك خلالها بوصفه نائبا عنه. وهو ما أخنق الفرنسيين و دفعهم إلى التحرش بالتخوم المغربية الشرقية بعد أن أحكموا قبضتهم على بلاد الجزائر سنة 1843. و في هذه المدة فسدت نية الأمير في السلطان و في الجهاد مع أنه لم يكن لجهاده ثمرة بدون دعم السلطان، و فضل الاستقلال و شرع في استفساد القبائل.

 

 

فعمد السلطان إلى محاربة الفرنسيين، في معركة دارت عند وادي إسلي في 14 غشت 1844 و التي انتهت بهزيمة ساحقة للمغرب نالت من مكانة البلاد دوليا وأضعفت مركزه التفاوضي سياسيا و جعلت السلطان ينزل عند شروط فرنسا و ذلك بالمصادقة على معاهدة الصلح في العاشر من شتنبر 1844 و التي قضت بوجوب التخلي عن دعم الأمير عبد القادر و اعتباره خارجا عن حكم الشريعة، فالهزيمة في معركة إسلي كان لها انعكاس سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي ففي الداخل سترتفع أصوات عدة داعية إلى ضرورة تجديد الأساليب و التقنيات الحربية لمواجهة أوربا. أما على الصعيد الخارجي فقد بدا المغرب للدول الأجنبية و كأنه بلد منهار القوى يسهل احتلاله مستقبلا.

 

و بعد اتفاقية طنجة فرضت عليه اتفاقية ثانية مكملة لها و هي اتفاقية مغنية في 18/03/1845 كانت بمثابة بوابة لدخول الاستعمار للمغرب و خلافا لما تروج له الروايات الجزائرية فإن الخذلان الحقيقي الذي تعرض له الأمير عبد القادر، جاء من بني قومه و من أنصاره الذين بدؤوا ينفضون من حوله و ينضمون لسلطات الاحتلال الفرنسي. و هو ما أكده بنفسه في استفتائه لعلماء فاس بتاريخ 6 أبريل 1836 حول الموقف الشرعي من هؤلاء المتخاذلين و قبل أن يحل موعد المواجهة الحاسمة كان عقده قد أوشك على الانفراط و ضعفت بالتالي شوكته حيث أصبح في قلة من الأتباع بعد أن استغنوا عنه.

 

و هو ما دفع السلطان إلى القيام بإمساك زمام الأمور لمواجهة مخططات فرنسا كما كان الشأن قبل مجيء الأمير عبد القادر. فالمفروض أن هذا الأخير كان يتصرف كأحد من رعاياه لذا كان من الواجب أن يتحرك وفق سياسة دفاعية وطنية خاصة بعد سقوط تلمسان و الأقاليم المجاورة لها و التي أصبحت بحكم البيعة أرضا مغربية محتلة

فالجزائر من خلال هذا التلفيق التاريخي أرادت أن تحمل المغرب أسباب انحصار المقاومة في أراضيها و استسلام الأمير عبد القادر و لا تريد أن تستوعب أن معظم أهلها ارتضوا أن يكونوا مع الخوالف و قعودهم عن الجهاد و وجود قابلية للاستعمار لديهم كما عبر عن ذلك المفكر الجزائري مالك بن نبي.

لم تقف الجزائر عند هذا الحد بل استمرت في اتهام المغرب بتخليه عن دعم ثورة التحرير و التخطيط لمؤامرة اختطاف طائرة تقل أبرز روادها. في الوقت الذي رفض فيه السلطان محمد الخامس العرض المغري الذي قدمته السلطات الفرنسية للمغرب في 1956 و القاضي بإعادة الصحراء الشرقية للحظيرة المغربية مقابل وقف كل أشكال الدعم و المساندة للثورة الجزائرية.

 

و لما لمست سلطات الاحتلال توجها عاما لدى القوى الوطنية المغاربية نحو توحيد الفعل المقاوم تحت رئاسة السلطان محمد الخامس فكرت فرنسا في الانتقام من هذا الأخير و ذلك بتدبير اختطاف الطائرة المغربية التي تقل الزعماء الجزائريين الخمسة من المغرب إلى تونس و ذلك خلال شهر أكتوبر من سنة 1958و في هذا محاولة لزعزعة الثقة بين المغرب و الجزائر و محاولة هز الشخصية الكاريزمية التي كان يحضا بها محمد الخامس لدى شعوب المغرب العربي و رغم ظهور الحقيقة استمرت الجزائر في توظيف هذا الحادث في محاولة منها لتضليل الرأي العام المحلي و تأليبه ضد المغرب.

 

فالمغرب كان له هدف نبيل حيث كان يسعى الملك محمد الخامس و الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة للقيام بمبادرات مشتركة من أجل إيجاد تسوية للحرب الجزائرية الفرنسية في نطاق وحدة مغاربية أوجدها الكفاح المشترك و تطلعات الشعوب المغاربية، تقرر عقد لقاء في تونس بين الملك محمد الخامس و الرئيس بورقيبة يحضره ممثلون عن جبهة التحرير الوطني الجزائري. و لهذا الغرض وجه السلطان محمد الخامس الدعوة إلى زعماء الجبهة للحضور إلى المغرب قصد التشاور و ترتيب الأوراق قبل التوجه إلى تونس، حضر الزعماء الخمسة و بعد نهاية جلسة المباحثات غادر الزعماء الرباط على متن طائرة مغربية إلى تونس.

 

غير أن مقاتلة فرنسية تصدت لطائرتهم و أرغمتها على الهبوط في مطار جزائري فتم اعتقالهم و نقلوا إلى سجن بفرنسا، و قد تمت هذه القرصنة الجوية يوم 22 أكتوبر 1956 في الوقت الذي كان المغرب يجري مفاوضات مع سلطات الاحتلال الفرنسي قصد تفويت مقاليد الحكم و السلطة و تسلمها من الإدارة الفرنسية كان رد المغرب عنيفا حيث اعتبر محمد الخامس هذه القرصنة هي اعتداء و عدوانا على السيادة المغربية لكون الزعماء الخمسة حضروا للمغرب بدعوة منه. غير أن بن بلة و رفقائه المسجونين اتهموا عناصر نافذة في القصر بالتواطؤ في هذه المؤامرة و المساهمة في نسجها لفائدة جهات مغربية و فرنسية و جزائرية مناوئة لكل تسوية على أساس التوجه المغاربي الوحدوي.

لقد كان رأي محمد الخامس أن لا يذهبوا إلى تونس و يتكلف هو بالدفاع عن قضيتهم أمام الباي و بورقيبة و قادة الحركة السياسية هناك لكن الزعماء الجزائريين صمموا على الذهاب إلى تونس لأنهم اعتبروا أن حضورهم هناك هو بمثابة اعتراف رسمي بهم كممثلين للشعب الجزائري.

حاول المغرب أن يقوم بمساعي كثيرة من أجل إطلاق سراح القادة الجزائريين، فبعد مؤتمر الدار البيضاء الذي حضره فرحات عباس كرئيس للحكومة المؤقتة الجزائرية، حيث أصبح باديا بأن الجزائر ستستقل قريبا فأصبحت فرنسا ترخص للمغاربة بزيارة المعتقلين فكان الدكتور عبد الكريم الخطيب يزورهم باسم الملك الحسن الثاني لأن وقتها كان محمد الخامس قد توفي.

و في الوقت الذي اضربوا عن الطعام بعث الملك الحسن الثاني وفدا وزاريا يتكون من علال الفاسي و الخطيب، و غيرهم إلى فرنسا حيث استقبلهم الجنرال ديغول رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك و طلب الوفد منه باسم جلالة الملك الحسن الثاني أن يطلق سراح ضيوف الملك محمد الخامس، فقال ديغول " لا يمكنني إطلاق سراحهم في هاته الظروف، و لكن سأسمح للسفارة المغربية بالسهر عليهم داخل قصر أونو"و هو القصر الذي كان فيه هؤلاء القادة الجزائريين. فأوقفوا إضرابهم عن الطعام، و سهر على علاجهم أطباء مغاربة حتى خرجوا من المستشفى. و بعد ذلك شرعت مفاوضات "إيفيان" و أطلق سراحهم و عادوا إلى المغرب رفقة رابح بيطاط أحد قادة الثورة الجزائرية الذي ألقي القبض عليه و ألحق برفقائه في السجن. و استقبلهم الشعب المغربي بحفاوة بالغة، ثم ذهبوا لتفقد الجيش الجزائري المرابط على الحدود المغربية الجزائرية.

و لم يقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت السلطات الجزائرية في النبش في صفحات التاريخ علها تجد مبررا جديدا لعدائها للمغرب، فوقع بصرها على حرب الرمال و التي وصفتها بكونها شكلت عدوانا شنه المغرب على الجزائر.

2- هزيمة حرب الرمال :

لقد رفض المغرب عرضا تقدمت به فرنسا و الذي يهدف إلى إرجاع كل ما اقتطفته من ترابه و ألحقته بالأراضي الجزائرية مقابل أن يقوم المغرب عن الامتناع عن دعم الثورة الجزائرية، و فضل التفاهم مع قادة الثورة الجزائرية و تعهد السيد فرحات عباس بوصفه رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة و مما جاء في تعهده "إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها أن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة و الحكومة الجزائرية عندما تحصل الجزائر على استقلالها"

و من خلال هذا الاتفاق مع الحكومة المؤقتة الجزائرية الموقع في 6 يوليوز 1961، تبين أن هناك تأكيد الطرفين على نيتهما في مراجعة وضعية الحدود المشتركة غداة استقلال الجزائر، و بالمقابل التزم المغرب في هذا الاتفاق بمساندته التامة غير المشروطة و غير المتحفظة للشعب الجزائري في كفاحه من أجل الاستقلال السياسي و الوحدة الوطنية و دعمه الكامل لموقف الحكومة المؤقتة في مفاوضاتها مع فرنسا و معارضته بجميع الوسائل لأي محاولة يكون الهدف منها تجزئة أو انتقاص للإقليم الجزائري.

 و أكد الطرف الجزائري في هذا الاتفاق السري أن المشكلة الإقليمية المتمثلة في عدم تعيين الحدود بين البلدين من طرف الاستعمار الفرنسي ستجد حلها في مفاوضات لاحقة بين الحكومة المغربية و الحكومة الجزائرية المستقلة، كما التزم الجانب الجزائري بعدم تطرقه في الاتفاقيات و التسويات التي ستسفر عنها المفاوضات الفرنسية الجزائرية إلى ما يتعلق بتعيين الحدود بين المغرب و الجزائر. و اتفق الطرفان على تشكيل لجنة ثنائية تلتئم في أقرب وقت ممكن من أجل حل مشكلة الحدود في جو من الإخاء و أكد المغرب و الجزائر ارتباطهما بمجموعة من المواثيق الدولية التي تحظر استعمال القوة في فض الخلافات، كميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة.

هكذا اعتبر المغرب هذا الاتفاق مع الحكومة المؤقتة الجزائرية بمثابة اعتراف جزائري بالحقوق المغربية على الأراضي المتاخمة في منطقة تندوف، غير أن بعد حصول الجزائر على استقلالها لم تلتزم بالاتفاق و اعتبرته غير صحيح حيث اعتبرت أن الحكومة المؤقتة ينحصر دورها في قيادة الصراع لا في التوقيع على الاتفاقيات التي هي متروكة للمجلس الوطني الجزائري باعتباره أعلى سلطة في البلاد.

 فالأهمية الاقتصادية التي تحضا بها المنطقة المتنازع عنها كانت سببا رئيسيا في امتناع الجزائر بالوفاء بالتزاماتها. إذ حسب تقرير أجرته إحدى الشركات التي كلفتها فرنسا بدراسة استغلال الحديد في هذه المنطقة قبل استقلال الجزائر.  و مع مطلع سنة 1963 أعطت هذه الشركة تقريرا نهائيا أشارت فيه بأن نسبة خام الحديد بهذه المنطقة يبلغ حوالي 75% و أن هذا الإنتاج إذا تمت إضافته لإنتاج موريتانيا سيشمل نسبة 50% من احتياجات دول السوق الأوربية المشتركة. و أمام هذا الموقف المتعنت سوف يدخل البلدان في مواجهة مسلحة في 23 أكتوبر 1963 و قد شكلت حرب الرمال إذن أول حرب بعد الاستقلال.

و في يوم 5 أكتوبر  من سنة 1963 جمع بين وزير خارجية كل من المغرب السيد رضا أكديرة و وزير خارجية الجزائر السيد عبد العزيز بوتفليقة لقاء في مدينة وجدة أسفر عن  إصدار بلاغ أطلق عليه آنذاك "بلاغ الوفاق" تضمن توصية بعقد قمة قريبة بين الملك الحسن الثاني و الرئيس الجزائري بن بلة للتداول في مشكل ترسيم الحدود بين البلدين، ودع الوزيران بعضهما البعض.

و بعد يوم من هذا اللقاء سجل المغرب وجود مناوشات على الحدود الجزائرية المغربية إذ تم اقتحام أفراد الجيش الجزائري للحدود المغربية. لم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت فرقة عسكرية جزائرية مسنودة بوحدة مدرعات بالهجوم على مركز "إيش" العسكري الواقع على بعد خمسين كيلومترا من شمال شرق مدينة فكيك بإقليم وجدة، فقامت هذه الفرقة بإطلاق النار على وحدة من القوات المساعدة كانت مكلفة بحراسة الحدود، الحصيلة كانت مقتل 10 أشخاص من القوات المساعدة و أسر باقي أفراد الوحدة.

و أقدم بعد ذلك هؤلاء الجنود الجزائريين بإحراق المعدات العسكرية المغربية من سيارات "جيب" و قام بعضهم بإحراق جثت ثلاثة من القوات المساعدة المغربية،و كذا باحتلال منطقة حاسي و تينجوب المحسوبين على التراب المغربي و رفعت فيهما العلم الجزائري.

 و صل الخبر إلى الرباط و في الوقت الذي عبر فيه جنرالات الجيش عن استعدادهم للرد،آثر الحسن الثاني نهج الطريق الدبلوماسي حيث وجه الملك رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الجزائري بن بلة جاء فيها :" بوصفكم المسئول الأول عن مصير الجزائر و مستقبل شعبها. لا يمكنكم أن تقدروا حجم العدوان المرتكب و أن لا تحسبوا عواقبه. إن الاتجاه الذي يبدو أن الجزائر تسير في وجهته و الذي تجلى في أعمال عدوانية على التراب المغربي لن يساعد بكل تأكيد عن خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكلنا عن طريق التفاوض و الحوار المباشر. لذا نناشد مرة أخرى المسئولين الجزائريين أن يرتفعوا فوق الاعتبارات العاطفية، و يتحكموا في انفعالاتهم، و أن يأخذوا بعين الاعتبار، أن الأجيال الحاضرة و المقبلة محكوم عليها ليس فقط بالارتباط بعلاقات يطبعها السلم و لكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشيد مستقبلنا المشترك ذلك أن قرننا (القرن 20) يقوم على علاقات المجاملة، و يلتزم بمقتضيات المواثيق الدولية التي تفرض على جميع الدول المحترمة لنفسها أن تستبعد اللجوء إلى العنف. نقول هذا و نضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات و جميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة".

لم يعر بن بلة أي اهتمام لبرقية الحسن الثاني و تجاهلها و لم يرد عليها. و رغم ذلك استمر الحسن الثاني في تشبثه بالطريق الدبلوماسي حيث أرسل الملك الراحل وفدا إلى الجزائر لملاقاة الرئيس الجزائري و تبيان موقفه من الهجوم العسكري الجزائري، ظل هذا الوفد ليومين دون أن ينجح في ملاقاة بن بلة ثم عاد إلى المغرب ليطلع الراحل الحسن الثاني على ذلك رغم ذلك استمر المغرب في نهجه الطريق الدبلوماسي و قام بإرسال وفد ثاني إلى الرئيس الجزائري و بمجرد ما بسط الوفد المغربي خرائط توضح دخول الجيش الجزائري إلى أراض مغربية صرخ بن بلة في وجه الوفد المغربي و قال "إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية و يجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في المستقبل" و أضاف قائلا " على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية و أن يعلم أن النظام الجزائري حصن منيع و لا يملك النظام المغربي النيل منه" كان الرد الجزائري واضحا لا يحتمل التأويل هو أنه لا يمكن أن يقوم بحل مشكلة الحدود، و أن الحرب هي الفيصل بين البلدين. كان وقع هذا الأمر قويا على الحسن الثاني الذي حاول إلى آخر لحظة نزع فتيل الأزمة لكن الحكومة الجزائرية كان لها رأي آخر، فقرر الملك الحسن الثاني إعطاء ترخيص بشن الحرب على الجزائر في 21 أكتوبر 1963 سميت بحرب الرمال. استطاع المغرب أن يحقق انتصارا مهما على الجزائر حيث كبد الجزائر خسائر مهمة في العتاد و الأرواح و وصلت القوات المغربية إلى عمق التراب الجزائري و لولا أوامر الحسن الثاني بالتراجع لكانوا دخلوا منطقة تندوف.

و من خلال هذا يتبين أن الجزائر هي من أشعلت فتيل هذه الحرب، غرهم في ذلك الدعم العسكري الكوبي و المصري الذي لم يستطع أن يوقف الهجوم المضاد للجيش المغربي الذي كان بمقدوره حسم النزاع الحدودي بين البلدين بقوة السلاح و هي من خرقت البلاغ الذي توصل إليه كل من وزيري خارجية البلدين و القاضي بعدم تدخل الطرفين في الشؤون الداخلية للبلدين، و كذا احترام التجربة التي اتبعها كل طرف كما دعا إلى اتخاذ جميع التدابير في شتى المجالات الجديرة بإعادة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية و أقدمت السلطات الجزائرية بطرد 6 آلاف مواطن مغربي خلال شهري أكتوبر و نونبر في الوقت الذي لم يطرد من الجزائريين سوى  500 فرد.

هذا و قد استعملت القوات العسكرية الجزائرية في معركتها مع المغرب نفس المدافع الحربية التي سبق للمغرب أن منحها للجزائر خلال إحدى الزيارات التي قام بها الملك الحسن الثاني إلى الجزائر. و قد استطاع الجيش المغربي أن يتوغل في منطقة تنجوب و حسي بيضة، و قد حاولت كل من جامعة الدول العربية و منظمة الوحدة الإفريقية التدخل لتسوية هذه المشكلة إلا أن كلا الطرفين رفض هذه الوساطة.

إلا أن وساطة إفريقية بدأها امبراطور إثيوبيا هايلي سيلاسي و وأتمها رئيس دولة مالي موديبو كيتا أفضت إلى عقد قمة رباعية ببماكو ضمت بالإضافة إلى سيلاسي و كيتا و الرئيس الجزائري و العاهل المغربي، أعقبها صدور اتفاق بامكو في 30 أكتوبر 1963 و الذي ركز بالخصوص على توقيف الاعتداءات من كلا الجانبين و تشكيل لجنة تحكيم خاصة تمثل سبع دول إفريقية في محاولة لتسوية الخلاف بين البلدين.

فإن كانت هذه الوساطة الإفريقية قد توصلت إلى تحقيق توقف المواجهات العسكرية بين المغرب و الجزائر، فإنها فشلت في تقريب وجهات النظر بين الطرفين بخصوص نزاعهما الحدودي ففي الوقت الذي كان المغربي يركز على المعطيات التاريخية في تأكيد مطالبه و حقوقه بالمناطق التي أصبحت بحكم الاستعمار الفرنسي تحت الإدارة الجزائرية، في حين كان الموقف الجزائري يدعو إلى التشبث بهذه الحدود و تحاول بذلك تكريس مبدأ المحافظة على الحدود الموروثة عن الاستعمار.

و بعد عدة جولات بين المغرب و الجزائر استطاع البلدان أن يوقعا اتفاقية الحدود في 15/06/1972، و لقد جعلت الجزائر من هذه الأسباب التاريخية لإيغال صدور المواطنين الجزائريين بالأحقاد على المغاربة.

 

الفقرة الثانية  : الأسباب الحالية للتدخل الجزائري في قضية الصحراء

لا يمكن أن نعتبر أن الأسباب التاريخية هي الوحيدة التي تبرر التدخل الجزائري في قضية الصحراء   بل هناك أسباب أخرى يمكن إجمالها في ما يلي:

1- إقبار قضية الصحراء الشرقية:

الصحراء الشرقية هي أقاليم الساورة و  تندوف و القنادسة و كلومب بشار و واحات توات و تيديلكت... و هي مناطق تبلغ مساحتها أكثر من مليون و نصف المليون كلمو تحوي هذه المناطق معادن شتى بما في ذلك الغاز و البترول و الحديد و قد ظلت هذه المناطق محافظة على هويتها المغربية سواء قبل أو بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 و قد شكلت السيادة على الصحراء الشرقية جوهر الخلاف بين المغرب و الجزائر، فالجزائر تريد أن تعطي لاحتلالها لهذه المناطق سبغة قانونية و حاولت بذلك أن تتشبت بمبدإ الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار. بينما المغرب له ما يثبت مغربية هذه الثغور تاريخيا و قانونيا.

فمشكلة الحدود بين المغرب و الجزائر لها جذور تاريخية تعود إلى القرن التاسع عشر فبعد انهزام المغرب في معركة إسلي في 1844 كان مضطرا للتوقيع على معاهدة لالة مغنية مع فرنسا بتاريخ 18 مارس 1845. فالاستعمار الأوربي كان يستغل كل الأزمات التي كان يمر منها المغرب و التي كانت كثيرة، لقد كان مضطرا نظرا للجفاف الذي ضرب البلاد أن يستورد من الدول الأوربية الأمر الذي تطلب مصاريف مالية. كما أن السنوات التي تلتها عرفت احتلال فرنسا للجزائر مما يعني تهديدا لأمنه  و استقراره فأجبر على تقوية الوجود العسكري المغربي بالحدود الشرقية و تفاقم الوضع بالهزيمة في معركة إسلي و اتفق الطرفان من خلال الفصل الأول من اتفاقية لالة مغنية، على إبقاء الحدود بين  المغرب و الجزائر كما كانت سابقا بين ملوك الترك و ملوك المغرب السابقين بحيث لا يتعدى أحد حدود الآخر و لا يحدث بناء في الحدود في المستقبل و لا تمييزا بالحجارة بل تبقى كما كانت قبل استيلاء الفرنسيين على الجزائر إلا أن الحدود لم يتم وصفها و تحديدها إلا في المناطق الخصبة على عكس تلك الجنوبية بالصحراء.

فهذه الاتفاقية كانت غير واضحة، و الغموض كان مقصودا من طرف فرنسا، فهذه الأخيرة أرادت أن تترك المجال مفتوحا أمامها لتفسير الاتفاقية على هواها و في الوقت المناسب، سيما و أنها كانت ترغب  في ربط مستعمراتها في إفريقيا الغربية و الصحراء الكبرى بمستعمرتها الجزائر. لهذا لم تعمل فرنسا على تحديد الحدود الجنوبية الذي تربط الجزائرية بالمغرب فقد كانت لها نوايا توسعية داخل التراب المغربي.

و قد استغلت فرنسا هذا الغموض إذا لتحتل مناطق مغربية بالصحراء بحجة أنها تريد التعاون مع السلطان من أجل إقرار الأمن و الاستقرار بالصحراء. و في 20 يوليوز 1901 و 20 أبريل 1902 تم التوقيع على بروتوكولين أكد فيهما الطرفان مضمون اتفاقية 1845 و مرة أخرى دون وصف المناطق الجنوبية. فالمغرب يرى نفسه دولة كانت دائما ذات سيادة لم تنبثق عن التحرر من الاستعمار لذا يرى نفسه محقا في المطالبة بحقوقه التاريخية المشروعة. و يرى أن الحدود بين المغرب و الجزائر في الجانب الصحراوي لم يتم وصفها مما يستوجب التفاوض بشأنها.

و يرفض مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار ويؤكد  بأنه على الصعيد الإفريقي لم يقم أبدا بين الدول الإفريقية إجماع في الرأي لصالح إدخال صياغة بوثيقة الوحدة الإفريقية، تقول أن مبدأ منع المساس بالحدود يعد مبدأ عاما معترف به. إن مبدأ منع المساس بالحدود يوجد على الصعيد الإفريقي كفكرة سياسية كما لا يمكن في أي ظرف أن يكون لتصريح له طبيعة سياسية أثر على قواعد القانون الدولي السابقة التي لم تلغها مقتضيات وثيقة الأمم المتحدة.

و بالرغم من هزيمة المغرب في معركة إسلي ظلت هذه الأقاليم صعبة على جميع محاولات الغزو التي استهدفتها من حين لآخر و لم يتأت لفرنسا اختراق الجبهات الدفاعية المغربية إلا في سنة 1855و هكذا فقد استغل الاحتلال الفرنسي حالة الفوضى الذي مر منها المغرب بعد وفاة السلطان المولى الحسن الأول، و عمل على بسط نفوذه على كل من عين صالح عام 1889 و مرورا بالتوات في مارس 1900 و وصولا إلى تندوف التي لم تطلها أقدامهم إلا في سنة 1934، و مع ذلك فقد ظل إقليم تندوف خاضعا لسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب حتى عام 1947 حين قررت سلطات الاحتلال إلحاقه بإدارة الاحتلال بوهران الجزائرية و بالتالي إلحاقه بالتراب الجزائري و لم يتم اقتلاع تندوف نهائيا إلا في سنة 1952 ، و المغرب إن كان يدافع على مغربية الصحراء الشرقية و فله براهين دالة على ذلك. و يعد اتفاق 1902 بين المغرب و فرنسا مهما لكونه أكد في فصله الثالث سيادة المغرب على تندوف، هذا بالإضافة إلى الاتفاق الموقع بين فرنسا و ألمانيا بتاريخ 4 أكتوبر 1911 و كذلك الاتفاق الفرنسي الإنجليزي لسنة 1901 و التصريح المشترك الفرنسي الإنجليزي الإسباني في 3 أكتوبر 1904.

فقد كان بإمكان المغرب أن يطوي ملف الصحراء الشرقية نهائيا قبل استقلال الجزائر حيث قامت فرنسا بتقديم عرض مغري للسلطان محمد الخامس، عرضت عليه إرجاع ما قامت باقتطاعه من الأراضي المغربية مقابل عدم دعم الثورة الجزائرية. لكن السلطان رفض ذلك، و كان ذلك في سنة 1956 و جدد العرض في سنة 1957 فالسلطان اعتبر أن قيامه بذلك سيعد ضربا من ضروب الخذلان و الخيانة لجهاد الشعب الجزائري الشقيق و جاء اتفاق 1961 لينمي هذا الموقف التاريخي و يطمئن المغاربة على حقوقهم المشروعة على أراضيهم له، لكن مع حصول الجزائر على استقلالها سوف تتنكر لالتزامها كما سبقت الإشارة لذلك.

فإذا كانت الجزائر تطعن في شرعية اتفاق مدريد الثلاثي الموقع بين المغرب و موريتانيا و إسبانيا بتاريخ 10 دجنبر 1975 نظرا لكونه لم يتم المصادقة عليه من طرف الكورطيس (البرلمان الإسباني) فإن الأمر نفسه ينطبق على معاهدة ترسيم الحدود، على اعتبار أن سريان مفعول أي معاهدة دولية بالنسبة للمغرب تتوقف على توقيع و مصادقة الملك، كما يقضي بذلك الدستور "... يوقع الملك المعاهدات و يصادق عليها غير أنه لا يصادق على المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة إلا بعد الموافقة عليها بقانون. تقع المصادقة على المعاهدات التي يمكن أن تكون غير متفقة مع نصوص الدستور باتباع المسطرة المنصوص عليها فيما يرجع لتعديله و التي يعود الحسم فيها للاستفتاء الشعبي.

فاعتبار كون الملك غير مخول دستوريا في التفريط بأي شبر من التراب المغربي استنادا للفصل 19 "الملك أمير المؤمنين و الممثل الأسمى للأمة و رمز وحدتها و ضامن دوام الدولة و استمرارها، و هو حامي حمى الدين و الساهر على احترام الدستور و له صيانة حقوق و حريات المواطنين و الجماعات و الهيئات و هو الضامن لاستقلال البلاد و حوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة" و هذا يعني أن هذه الاتفاقية كي تكون شرعية لا بد من عرضها على أنظار الشعب ليقرر هل سيقبلها أم يرفضها.

فالجزائر إذن هي تحتل الصحراء الشرقية، لأن اتفاقية 1992 ليست لها قيمة قانونية على اعتبار أنها لم تخضع للاستفتاء الشعبي. و هي بالتالي تقوم بخرق القانون الدولي و اغتصاب لحقوق المغاربة الساكنة الأصلية لتلك المناطق في ممارسة السيادة على ثرواتهم الطبيعية و وقمع السلطات الجزائرية لساكنة هذه المناطق و منعهم من تحقيق رغبتهم بالانفصال عن الجزائر و الانضمام للمغرب و هي رغبة عبرت عنها ساكنة هذه  الأقاليم في إطار مبدإ حق الشعوب في تقرير المصير الذي طالما تنادي الجزائر بكونها تحترمه و تقدسه. المغرب مدعو إلى ضرورة التقدم برسالة إلى الأمم المتحدة لتسجيل الصحراء الشرقية المغربية ضمن الأراضي الخاضعة للاستعمار حتى يسري عليها القرار 1514،و بالتالي انطلاقة مسار الدعم المغربي لساكنة هذه الأقاليم حتى تحصل على استقلالها و تنظم للمغرب ليعمل هذا الأخير على منح حكم ذاتي لهذه الأقاليم تحت السيادة المغربية.

و قد دفعت الجزائر ثمن تفويت الصحراء الشرقية لها من طرف فرنسا حيث أقدمت هذه الأخيرة على القيام بالتجارب الدولية النووية و هو الأمر الذي استنكره المغرب حيث قام في سنة 1958 باستنكار التجربة النووية التي أجرتها فرنسا في باطن أرض صحراء "ركان".