لا يمكن للجزائر أن تجمع في الوقت نفسه بين ادعائها الحياد في القضايا الدولية وما تسميه تأييدها الشعوب في تقرير مصيرها؛ فمن أهم واجبات الدولة المحايدة عدم تقديم أية مساعدة لأطراف النزاع وعدم تقديم السلاح او تسهيل وصوله، وعدم انطلاق أي عمل حربي من أراضيها، وعدم تقديم قرض مالي أو على شكل مساعدات عسكرية لطرف من أطراف النزاع.

 

لكن في تناقض تام نجد أن كل هذه القواعد لا تلتزم بها دولة الجزائر بل تتدخل في فرض آرائها وتوصيفها لحالة النزاع المفتعل بالصحراء المغربية بأنه احتلال مغربي لأرض الغير إذن الجزائر تتدخل في شأن مغرٍ تحت ذريعة حق تقرير المصير، هذا المفهوم النبيل كان ضحية تشويه سياسي وقانوني مفتعل من قبل النظام الجزائري لتمرير خططه التوسعية من اجل فتح ممر بري نحو المحيط الأطلسي عبر أراض مغربية.

 

ادعاء الحياد لا يستقيم مع تلك السموم التي حقنت بها المخابرات الجزائرية بياناً ختامياً لما سمته ندوة "للتضامن مع الشعب الصحراوي" بالعاصمة ابوجا وصفت المغرب بما كان يحصل في جنوب إفريقيا في نظام الابارتهايد، ومن فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية عليه، النظام الجزائري يعتبر رأس حربة في مناهضة حق المغرب في صحرائه وسيادته على كامل ترابه. ولن تنطلي على الدول التي تحترم نفسها حيل حكام الجزائر العجائز.

 

نتساءل هل كانت الجزائر تنوي فتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994 وتطبيع العلاقات المتوقفة مع المغرب؟ بالرجوع إلى تصريح المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية عمار بلاني لصحيفة الخبر الجزائرية في 19/06/2013 نجده يعدد الشروط التي تضعها الجزائر لفتح الحدود حيث أكد على "أن فتح الحدود البرية بين البلدين يستدعي، مثلما يعلمه جيراننا في المغرب، توفر شروط رئيسة، تتعلق بالوقف الفوري لحملة التشويه التي تقودها الدوائر المغربية الرسمية وغير الرسمية ضد الجزائر"، وفي الشرط الثاني "التعاون الصادق والفعال والمثمر من قبل السلطات المغربية لوقف تدفق المخدرات والتهريب السري لها من المغرب إلى الجزائر".

 

وتضع الجزائر الشرط الثالث الذي يتصل "باحترام موقف الحكومة الجزائرية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية التي نعتبرها مسألة إنهاء استعمار يجب إيجاد تسوية لها وفقا للقانون الدولي في الأمم المتحدة" شروطاً اعتبرناها غير واقعية ولا تستند إلى أي مبرر أخلاقي او سياسي أو قانوني وبعيدة عن الحقائق التاريخية والجغرافية والثقافية، حيث تصب في قناة تعطيل المساعي الحميدة القاضية بتطبيع العلاقات التي ظل ينادي بها المغرب في كل المناسبات وإعطاء الفرصة للاتحاد المغاربي لممارسة دوره السياسي والاقتصادي والدبلوماسي.

 

ان المقاربة المغربية في تدبير هذه القضية تعتمد سياسة فصل الملفات عن بعضها حتى يتسنى للطرفين السير بشكل طبيعي في حل المشاكل العالقة كل على حدة لكن العلاقات المغربية الجزائرية تطورت أخيراً بشكل سلب كان سحب سفير المملكة للتشاور طبيعيا بعد الاستفزازات الجزائرية على كافة الأصعدة "الحدود لن تبقى مغلقة إلى الأبد" هكذا قال رئيس الدبلوماسية الجزائرية، كلام يبقى رهينا بالتاريخ الذي تحاول العصبة الحاكمة في الجزائر أن تلقنه لبعض السذج فانتم تقولون بان الحدود تتدفق منها المخدرات وهذا لا يستقيم مع حقيقة وواقع الأقراص المهلوسة الجزائرية التي هي في المتناول وتعتبر الجزائر مصدرها بلا منازع، ويشير رمضان لعمامرة إلى أنه "يجب إطلاق ديناميكية هدفها التكفل بهذه الأسباب وحلها" طبعاً عندما تكون الإرادة السياسية والرغبة الأكيدة في تجاوز كل تلك العراقيل الموضوعة أمام أي مبادرة تتجاوز كل فذلكة لغوية تبتعد عن البحث الحقيقي عن الأسباب الموضوعية لغلق الحدود ودائماً ما عبرنا عن ان النظام الجزائري خبير في قلب الحقائق ويموه على نواياه الحقيقية والتي ظهرت مؤخراً.

 

يطالبنا رمضان لعمامرة بـ"ضرورة التزام الحكمة والتعقل هذا التعقل والحكمة هو اقل ما نطلبه من اجل علاقات ثنائية عادية"، عندما نسمع حديثاً كهذا ونتأمله على ارض الواقع نجد أنفسنا أمام منطق متناقض مع نفسه ولا أساس له من الصحة حيث أن ما يحثنا عليه لا يحترمه في ابسط نقاطه وهو التزام الحياد الدال على التعقل والحكمة الحقيقية، أما الشكل العادي في العلاقات فيتطلب الحد المعقول من الاحترام المتبادل لكن النظام الجزائري منذ أكثر من خمسين عاماً وهو لا يحترم إرادة المغرب في بسط سيادته على أرضه التي كانت محتلة فاستردها بحكمة وتعقل عبر المسيرة الخضراء في العام 1975.

 

عندما قام العاهل المغربي في مارس 2013 بزيارة دولة لثلاث دول السنغال والغابون وساحل العاج، والتي تدخل في تعزيز شراكات اقتصادية مغربية وتلك الدول الإفريقية التي يجمعها تاريخ عميق بالمغرب، علقت جريدة الوطن الجزائرية على الحدث بقولها انه يأتي "من أجل تعزيز روابط الصداقة مع إفريقيا، والدفاع عن قضية الصحراء، وتقوية مواقع الشركات المغربية في الأسواق الإفريقية، عكس النظام الجزائري الذي يكتفي بالخطابات".

 

إنها شهادة حاسمة من قبل جريدة جزائرية ضد نظام الجنرالات الذي يتكون رأسماله في تحريف الحقائق والمعطيات والضرب من تحت الحزام، عكس المغرب الذي يسعى إلى تقوية اقتصاده خدمة لتنمية المملكة بما فيها الأقاليم الجنوبية. وتساءلت الجريدة عن "ماذا يفعله النظام الجزائري في الوقت الذي يجوب فيه العاهل المغربي أفريقيا دفاعا عن اقتصاد بلاده؟" قبل أن تجيب بأنه "يفعل العكس بالضبط".

 

أما بخصوص اتحاد المغرب العربي فيدعي وزير خارجية الجزائر بضرورة إعطاء فرصة لإنجاز هذا المشروع الوحدوي متناسيا أن المغرب كان هو السباق إلى بلورة الفكرة وألح على إخراجها للوجود، وكانت اتفاقية مراكش في الثمانينات من القرن الماضي شاهدة على مجهودات المملكة رغم أن المغرب كان متيقناً أن نظام الجنرالات يمول ويدعم البوليساريو لكن النوايا الحسنة للمغرب اصطدمت بتعنت الطرف الآخر وتوقفت هياكل الاتحاد إلى الآن. وذلك بمحاولات النظام الجزائري المتعددة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء فيما يخص الآليات القانونية والسياسية لحل مشكل الصحراء عبر حل الحكم الذاتي الموسع الذي استحسنه المجتمع الدولي، وذلك بترديد ببغائي لمقولة تقرير مصير الشعب الصحراوي حيث نعتبرها قنبلة تنسف بها سياسة النظام في الجزائر كل النقط التي يريد أن يقنع بواسطتها الرأي العام المحلي والدولي عبر مرافعاته المتعددة في عدة ملتقيات وداخل كواليس المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية هدفه هو محاصرة المملكة.

 

عندما تحدث المغرب عن فتح الحدود فلدواعٍ إنسانية واقتصادية وسياسية لا استجداء من احد، فالطبيعي أن يتم فتح الحدود، ولأننا واقعيون ونبتغي السير رأسا إلى حل المشاكل العالقة بروح الشرعية والقانون ولأن الحدود وجدت لتركيب التجارة وتبادل المنفعة كانت مطالبنا بفتحها. ويتم غلقها إذا كانت هناك أخطار داهمة والمغرب لم يكن في تاريخه القديم ولا الحديث مهددا حقيقيا لأي قطر من الأقطار بما فيها الجزائر بل العكس قدم مساعدات جمة إبان الاحتلالين العثماني والفرنسي، لكننا الآن نتأكد بان سياسة الاحتراز الجزائرية لها دوافع مبطنة في إعاقة أي تقارب يؤدي إلى فك العزلة على المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف بشكل خاص جداً.

 

لهذا نؤكد بلا جدال أن النظام العسكري الجزائري يثبت في حقه عدة تعايشه مع عدة أمراض متنقلة من جيل حاكم إلى آخر، منها الخرف والشيخوخة عمرياً وفكرياً وعلى مستوى السياسات واللؤم في التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية والتناقض بين القول والممارسة بشكل غير سوي.

 

محمد بن امحمد العلوي