يواصل الكاتب الفرنسي روبير سوليه تعبيره عن الولع بمصر في كتاب جديد اكد فيه ان ظروف الدولة المصرية تمنع اندلاع صراع بين السلطات والاسلاميين كما حدث في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي وتناول سوليه في كتابه قضايا متفرقة تصب في مجرى واحد لعله الروح المصرية أو الشخصية المصرية التي يقول ان ماء النيل وليس الدم هو ما يجري في أوردتها ولهذا لا يخشى على مستقبلها من الحركات الدينية.

ويرى أن السيطرة على النهر كانت سببا في توحيد المصريين منذ فجر التاريخ مستشهدا بقول الكاتب الالماني ايميل لودفيج في كتابه (النيل. حياة نهر) ان الشعب المصري تكون وتطور "بواسطة اثنين من آلهة الطبيعة فعبدهما. فهذا الشعب يدين للشمس بحبه للحياة وباعتداله في طباعه ويدين للنيل بتعلم روح الانضباط والامتثال" وكان النيل الذي رمز له بالاله "حابي" في مصر القديمة تجسيدا للخصوبة وتجدد الحياة.

كما يسجل سوليه أيضا ما كتبه المؤرخ جوانفيل الذي صاحب حملة لويس التاسع "الصليبية الكارثية على مصر (1249 ميلادية") حيث قال بعد عودته الى فرنسا ان النيل يختلف عن غيره من الانهار لان "فيضانه جالب الخير لا يمكن أن يأتي الا بارادة الله." ولد سوليه لاسرة لبنانية في مصر عام 1946 وغادرها عام 1962 وله كتب أخرى منها (مصر ولع فرنسي).

وفي كتابه الجديد (قاموس عاشق لمصر) يسجل أن الولع بمصر الفرعونية وحضارتها "يعود الى أزمنة قديمة جدا" مستشهدا بأن الرومان نقلوا الى روما القديمة بعض المسلات المصرية واعتنقوا بعض المعتقدات المصرية ثم حصلت فرنسا "على نصيبها" من الولع بفنون مصر القديمة منذ بداية عصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي.

والكتاب-القاموس ترجمه الكاتب المصري عادل أسعد الميري وصدر الشهر الجاري عن المركز القومي للترجمة في القاهرة ويقع في 495 صفحة كبيرة القطع ويضم الكتاب 144 مقالا تستعرض مصر.. تاريخا وجغرافيا وأساطير ورحالة وشخصيات بارزة ومعالم دينية ومعابد تتصدرها مسلات يرى أن المصري القديم اعتقد أنها "تربط الارض بالكون السماوي" على الرغم من أن العدد الاكبر من المسلات المصرية يعيش "في المنفى" اذ توجد مسلة في كل من باريس ولندن ونيويورك و13 مسلة في روما في حين بقي بمصر ست مسلات.

ويقول ان أكبر المسلات حجما هي المسلة التي لم تغادر مكانها في مدينة أسوان الواقعة على بعد نحو
900 كيلومتر جنوبي القاهرة وتعرف بوفرة حجر الجرانيت الذي استخدمه المصريون القدماء في نحت المسلات والتماثيل وأطلق على تلك المسلة التي تعد دليلا على تطور فن النحت في مصر القديمة "المسلة الناقصة" حيث أصيبت بشروخ قبل اكتمال نحتها فظلت كما هي بعد تحديد طولها وحجمها ويبلغ طولها 42 مترا.

وتحت عنوان (الاصوليون الاسلاميون) يقول سوليه ان مصر يمكن اعتبارها "مهد الاصولية الاسلامية الحديثة" نظرا لانها شهدت تأسيس جماعة الاخوان المسلمين عام 1928 حيث رفعت شعار (القرآن دستورنا) ولكن الاخوان "الذين يظهرون الان كما لو أنهم الفرع المعتدل من الاصولية الاسلامية رأوا أن الحركات التي ولدت في كنفهم قد تخطتهم" ومنها حركة الجهاد الاسلامي.

والكتاب الذي صدرت ترجمته العربية بعد عام تقريبا على نجاح الاحتجاجات الشعبية المصرية في خلع الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011 كتبت فصوله في ذروة صعود المد الاصولي غير الرسمي قبل سقوط نظام مبارك حيث يسجل المؤلف أن "مصر كلها تنتسب الى الله" في اشارة الى تدين المصريين.

ويرى سوليه أن "الاصوليين عاجزون حتى الان عن اقتراح مشروع برنامج صالح للتطبيق في كل المجالات على جميع أفراد المجتمع المصري" وبخاصة في المجال الاقتصادي الذي يراه نقطة ضعف ما يسميه بالمشروع الاصولي وحصل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين على أكبر كتلة في البرلمان الجديد وجاء حزب النور السلفي تاليا في الانتخابات التشريعية ولكن سوليه لا يخشى على مستقبل مصر من الاسلاميين..

فيسجل أن "مصر ليست الجزائر... حيث تحول الصراع بين السلطات الجزائرية والاسلاميين (في التسعينيات) الى ما يشبه الحرب الاهلية. ان وضع مصر مختلف عن الجزائر التي ما زالت منذ استقلالها سنة 1962 تبحث عن هويتها.. عربية اسلامية-أمازيجية صحراوية-غربية فرنسية. أما مصر بلد الفراعنة فهي بلد عجوز جدا" منذ توحد سياسيا في اطار دولة مركزية قبل أكثر من 5100 عام.

ويقول ان المجتمع المصري "يتمتع ببنية صلبة قوية حيث تقوم الدولة المدنية فيه على أساس متين مع اتساع نفوذ السلطات الدينية المقربة الى السلطات المدنية. انه مجتمع مستقر جدا على قواعده الثابتة وهي القواعد التي تتمتع بتجانس ثقافي تندمج فيه الاقلية المسيحية" البالغة نحو 10 بالمئة من المواطنين.

ويسجل أيضا أن الاخوان المسلمين موجودون بقوة في النقابات المهنية "وقد يبدو أحيانا أن الجيش هو الجهاز المصري الوحيد الذي يخلو منهم."