إن الحديث عن الأمن الغذائي يقودنا حتما إلى الدور الكبير الذي تلعبه دول الفائض الغذائي في الموازين الدولية، حيث أضحت هذه الدول ذات هيبة دولية، وتحمل سمات التفوق الدولي سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي وأيضا على المستوى العسكري، وسلاح الغذاء أصبح يستعمل من قبل الدول الحائزة عليه ضد الدول ذات التبعية الغذائية.

 

والبلدان العربية كانت ولا تزال تتعرض للضغط وإملاء المواقف والسياسات بواسطة سلاح الغذاء الذي تستعمله الدول الكبرى ضدها، ففي عام 1974 هدد الرئيس الأمريكي نيكسون بسلاح الغذاء لمواجهة العرب حين تعرضت المصالح الغربية والأمريكية إلى الخطر أثناء أزمة النفط، وفي عام 1980 هدد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بوقف تصدير القمح إلى الاتحاد السوفياتي سابقا عقب دخول السوفيات إلى أفغانستان، كما أن الرئيس الأمريكي جير الدفورد قال ذات مرة أن وفرتنا الزراعية ساعدت على فتح الأبواب بيننا وبين الملايين من البشر في الصين الشعبية وساعدت على تحسين العلاقات مع السوفيات وإقامة جسر إلى العالم النامي، وهذا يدل على أن الغذاء لم يعد مجرد سلعة لإشباع الحاجات وإنما أصبح أداة هامة من أدوات الحرب والسياسة وفرض الشروط.

 

وفي البلدان العربية يزداد الاهتمام يوما بعد يوم بمسألة الأمن الغذائي هذا الأخير أصبح يشكل هاجسا حاضرا على طاولة القيادات والحكومات العربية، وأصبح هما مشتركا تضطلع به الأجهزة الحكومية التنفيذية إلى جانب المنظمات المحلية والإقليمية والدولية في هذا المجال إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني فهناك نحو 75 بالمائة من السكان العرب أصبحوا يعيشون الآن تحت خط الفقر، وأصبح المواطن العربي يعتمد على الخارج بصورة أساسية لتلبية احتياجاته الغذائية، حيث يستورد العرب 78 بالمائة من احتياجاتهم من القمح و81 بالمائة من السكر و66 بالمائة من الزيوت النباتية، مما يعني أن الدول العربية أصبحت في مجموعها من أكثر مناطق العالم عجزا في توفير الغذاء رغم امتلاكها المقومات اللازمة لكثافة الإنتاج الغذائي زراعيا وصناعيا. (1)

 

هذا الانكشاف الغذائي على العالم الخارجي من قبل البلدان العربية يستدعي تضافر جميع الجهود لمعالجته، ولما كان القطاع العام العربي أخذ فرصته الكافية لإيجاد الحلول اللازمة لأزمة الغذاء وهو تعثر بشكل كبير في سبيل تحقيق ذلك، فإن القطاع الخاص يجب أن يعطى دورا بارزا في هذا المجال وبالتأكيد سوف يكون مكملا لدور القطاع العام لتحقيق التنمية ودعم الأمن الغذائي العربي.

 

في هذه الورقة سيتم طرح النقاط التالية :

 

أولا : السياق العالمي المضطرب وانعكاساته على ارتفاع أسعار الغذاء.

ثانيا : نظرة عامة على ملامح أزمة الغذاء في البلدان العربية.

ثالثا : إشكالية الفجوة الغذائية العربية.

رابعا : متطلبات تحقيق الأمن الغذائي. 

 

أولا – السياق العالمي المضطرب وانعكاساته على ارتفاع أسعار الغذاء :

 

تأتي قضية الغذاء في مقدمة القضايا التي تحظى باهتمام عالمي كبير، وهي تتزايد يوما بعد بوم آخر نتيجة العديد من العوامل التي تحيط بإنتاج الغذاء والطلب عليه ففي سياق عالمي يتسم بحالات عدم اليقين المرتبطة باتجاهات تغير المناخ والأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتقلب أسعار المنتجات الزراعية والطاقة، أصبحت قدرة البلدان على تحقيق الأمن الغذائي أكثر من أي وقت مضى تحديا استراتيجيا وأولويا بالنسبة للمنطقة ككل، ففي عام 2008 أوضحت "انتفاضات الجوع" مدى غضب الشعوب إزاء تصاعد أسعار المواد الغذائية، وفي عام 2011 تأثرت معظم المنطقة بسلسلة من الأزمات السياسية وحركات الاحتجاج الاجتماعية بسبب الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية وضعف القوة الشرائية للأسر المعيشية، وتزايد معدلات البطالة بين الشباب. (2)

 

لقد أصبحت ظاهرة تصاعد الأسعار سمة تتسم بها الأسواق العالمية للسلع الغذائية، وشكلت هذه الحالة تهديدا خطيرا للأمن الغذائي لمجموعة مهمة من سكان العالم، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع من 850 مليون نسمة في عام 2006 (قبل ارتفاع الأسعار) إلى أكثر من مليار نسمة في عام 2009، أي سدس سكان العالم (منظمة الأغذية والزراعة) 98 في المائة منهم في البلدان النامية. الشكل (1)   السكان الذين يعانون من الجوع في عام 2010 حسب المناطق

 

وتضافرت عوامل عدة لتساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الأسواق العالمية للسلغ الغذائية وهي :

 

-   تراجع الإنتاج والمخزونات على الصعيد العالمي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق إزاء الزيادة المضطردة في الطلب العالمي على الأغذية. (3)

-       عدم كفاية الاستثمار في القطاع الزراعي.

-   آثار تغير المناخ (تردي مستويات إنتاج المحاصيل في عام 2010 في العديد من البلدان المصدرة للحبوب مثل روسيا، كندا، أسترليا والأرجنتين).

-   ازدياد الطلب على الوقود الاحيائي (تستخدم نسبة تتجاوز 10 في المائة من محصول الذرة العالمي لإنتاج الوقود الإحيائي).

-       ارتفاع أسعار النفط.

-       استمرار آثار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية.

-   التدابير الحكومية التي اتخذتها أكبر البلدان المصدرة والمستهلكة من أجل الحد من صادراتها من الحبوب وحماية أسواقها الداخلية.

-   ممارسة المضاربات في الأسواق الزراعية بوصفها من العوامل التي ساهمت في تفاقم تقلب الأسواق حسب بعض الخبراء. (4) 

 

وما زالت اتجاهات السوق غير مؤكدة، ولا يمكن التنبؤ بها، حيث خلصت مختلف الدراسات التي أعدتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة والبنك الدولي منذ عام 2008 إلى بروز اتجاه تصاعدي للأسعار سيستمر إلى مدى السنوات العشر القادمة على نحو يفضي إلى اختلال مستمر بين العرض والطلب، وحسب تقرير مشترك بين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة بشأن آفاق الزراعة (2011)، فإنه من المتوقع أن يرتفع متوسط أسعار القمح والحبوب الخشنة على مدى السنوات العشر القادمة (2011-2020) بنسبة 20 في المائة بالقيم الحقيقية (صافية من التضخم) مقارنة بمتوسط الأسعار في العقد السابق.

 

 كما أنه حسب نفس التقرير من المتوقع أن يكون نمو الإنتاج الزراعي العالمي أكثر تباطؤاً حيث يبلغ نسبة 1،7 في المائة سنويا مقابل نسبة 6،2 في المائة في العقد السابق، وهذا سيشمل معظم المحاصيل كما يتوقع بحلول عام 2050 أن يرتفع الطلب العالمي على المواد الغذائية بدرجة عالية وأن يبلغ حدود 70 إلى 100 في المائة بسبب تضافر الآثار الناجمة عن النمو السكاني وزياردة الطلب على البروتينات الحيوانية في ضوء زيادة الدخل في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية وفي ظل حالات عدم اليقين المتصلة بالظروف المناخية وآثارها على توفر المياه للزراعة وبنية الاقتصاد الكلي والمالي وأسعار الطاقة، والخيارات السياسية يصبح من الصعب التنبؤ باتجاهات الأسواق الدولية وأسعار المنتجات الزراعية.

 

 وفي هذا السياق فإن المجتمع الدولي ضاعف جهوده بهدف إنعاش الزراعة، واتخذت مبادرات عديدة بعد الأزمة الغذائية التي شهدها العالم عام 2008 وتشمل هذه المبادرات، مبادرات لاكويلا بشأن الأمن الغذائي (تموز /  يوليو 2009) حيث تم إعلان تعبئة جماعية من قبل 40 دولة وقيادات المنظمات العالمية على توحيد الجهود لاجتثاث الجوع، والتزموا توفير أكثر من 20 بليون دولار أمريكي على مدى ثلاث سنوات من خلال هذه المبادرة للأمن الغذائي لدعم التنمية الريفية في الدول الفقيرة، ولإبقاء الزراعة في محور الأجندة العالمية، وأيضا إعلان مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 2009 وعملية إصلاح لجنة الأمن الغذائي العالمي التي نفذت بين عامي 2009 و2010، (5) والبرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي الخاص بالبنك الدولي (الذي تم وضفه في عام 2010، وإطار العمل العالمي الذي اعتمده الفريق الخاص الرفيع المستوى التابع للأمم المتحدة والمعني بالأزمة الغذائية العالمية، وقرار الاتحاد الإفريقي بشأن تعزيز الاستثمار في الزراعة كما هو منصوص عليه في البرنامج الشامل لتنمية الزراعة في إفريقيا الذي تم اعتماده في مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي (مابوتو 2003) ومبادرة الأمن الغذائي الخاصة بالمنظمة العربية للتنمية الزراعية والاستراتيجية المغاربية للزراعة في عام 2030 الخاصة باتحاد المغرب العربي.

 

 كل هذه المبادرات كانت ترمي الوصول إلى نهج مشترك شامل يعزز التنسيق الاستراتيجي وتضافر الجهود على جميع المستويات الإقليمية لزيادة الاستثمارات في الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي. (7)

 

ثانيا – نظرة عامة على ملامح أزمة الغذاء في البلدان العربية :

 

 لقد تطورت الأزمة الغذائية في البلدان العربية تبعا لمعدلات نمو الإنتاج والطلب الاستهلاكي على المنتجات الغذائية ووصلت إلى وضع حرج يتجلى في الاعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان، وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي طيلة السنوات السابقة وإن كان قد طرأ تطور طفيف على ذلك. وكذلك نلاحظ تراجع في مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي. الجدول رقم (1)

 

مؤشرات زراعية

البيان

2000

2005

2009

2010

الناتج الزراعي   العربي (بالمليار دولار)

55.909

70.682

113.633

124.183

إسهام الناتج الزراعي في الناتج الإجمالي المحلي (%)

7،8

6،1

6،5

6،2

نصيب الفرد من الناتج الزراعي (بالدولار)

208

236

340

360

 

المصدر : التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2011. (8)

 

وإذا كان هناك تطور في الناتج الزراعي العربي ونصيب الفرد من الناتج الزراعي كما هو مبين في الجدول، فإنه يتضح أن هناك تناقص في مساهمة الزراعة بالناتج الإجمالي المحلي من 5،6 بالمائة للعام 2009 إلى 2،6 بالمائة في العام 2010 أي بنسبة 4،1 بالمائة هذا الأداء الضعيف للقطاع الزراعي العربي أدى إلى زيادة الواردات من السلع الغذائية لتلبية حاجيات مواطني الدول العربية من الأغذية الضرورية.

 

 إن الموارد الطبيعية الهامة كوفرة الأراضي القابلة للزراعة والمياه والظروف المناخية المساعدة كلها عوامل تلعب دورا هاما في عمليات التوسع الإنتاجي. إلا أن الحالة الراهنة التي توجد عليها البلدان العربية من عجز غذائي تعود إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة عربيا غير مستغلة بصفة مثلى في أغلب البلدان العربية، فالمساحة القابلة للزراعة حوالي 197 مليون هكتار أي نحو 14 في المائة من المساحة الكلية. وتقدر المساحة المزروعة في عام 2009 حوالي 68.8 مليون هكتار تشكل حوالي 9،34 في المائة من المساحة القابلة للزراعة. (9)

 

إن الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة والمتاحة يمكن استغلالها وزيادة معدلات الزيادة بمقدار مرتين أوثلاث لتصبح الزيادة السنوية بحدود 5،1 - 5،2 بالمائة وذلك من خلال تبني استراتيجية إنتاجية زراعية عربية تضع في أولوياتها في المقام الأول زيادة الإنتاج الزراعي لتقليل العجز الغذائي العربي وحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد للعام 2011، فإن العديد من الدول العربية استطاعت خلال العقدين الماضيين زيادة الرقعة المزروعة بمعدل سنوي يتجاوز 2 في المائة (مصر، السعودية، المغرب، السودان ولبنان) وهناك دراسة تشير إلى إمكانية زيادة المساحة المزروعة في الدول العربية بحدود مليون هكتار سنويا. (10)

 

ثالثا – إشكالية الفجوة الغذائية العربية :

 

تشكل الفجوة الغذائية هاجساً مهماً يجب الإنطلاق منه لتقدير حجم المشكلة في البلدان العربية. إذ تشير البيانات والمعلومات الخاصة بالأمن الغذائي في البلدان العربية إلى وجود فجوة غذائية آخذة بالإتساع بالنسبة إلى معظم السلع الغذائية وأكثرها أهمية وتشير الإحصاءات المأخوذة من التقرير الإقتصادي العربي الموحد لعام 2011 أن نسب الإكتفاء الذاتي من السلع الغذائية في الوطن العربي للعام 2009 بلغت ما يلي : (11) 

 

نسب الإكتفاء الذاتي من السلع الغذائية في البلدان العربية للعام 2009

السلع الغذائية

نسبة الإكتفاء الذاتي %

السلع الغذائية

نسبة الإكتفاء الذاتي %

الحبوب

49،2

البقوليات

57،7

القمح

49،3

اللحوم

78،5

الشعير

42،4

زيوت وشحوم

31،3

الأرز

58،6

الألبان

74،4

السكر

26،5

البيض

92،0

الخضر والفواكه

103،1

الأسماك

108،3

البطاطس

99،2

الذرة الشامية

38،3

 

ويستنتج من هذه الإحصاءات أنه :

-       لم تستطع البلدان العربية أن تحقق اكتفاء ذاتياً بالنسبة إلى السلع الغذائية المشار إليها إلا بالنسبة للخضر والفواكه والأسماك.

-       تدني نسبة الإكتفاء الذاتي بشكل خطير لأهم السلع الأساسية إلى أقل من النصف أما من حيث القيمة للفجوة الغذائية فنجد تطورها كما يلي : (12  

 

إن هذه الفجوة هي حصيلة تفوق معدلات نمو الطلب على معدلات نمو الإنتاج، فالبلدان العربية تعاني من عجز في توفير احتياجاتها الغذائية، وذلك بسبب عدم قدرتها على تخفيف زيادة انتاجها الزراعي مقابل الطلب على الأغذية كنتيجة لزيادة السكان حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان خلال العقد الأخير 2.3 في المائة، وتضاعف متوسط دخل الفرد من 2540 دولار إلى 5159 دولار، وارتفعت قيمة الفجوة الغذائية من حوالي 13.9 مليار دولار عام 2000 إلى حوالي 35.3 مليار دولار عام 2009 أي بنسبة زيادة قدرها حوالي 10.9 بالمائة. (13)

 

 وفي حال استمرار تواضع نمو الإنتاج الزراعي الحالي ومع افتراض التزايد الكمي السنوي للسكان الذي يتوقع أن يتراوح بين 7.6 مليون نسمة في السنة وزيادة الطلب على السلع الغذائية بسبب تحسن مستوى المعيشة، فإن المستقبل ينذر بمزيد من الإنكشاف الغذائي العربي إذ يتوقع أن تصل قيمة الفجوة الغذائية إلى 44 مليار دولار عام 2020 (14) و 88 مليار دولار عام 2030. (15)

 

رابعا – متطلبات تحقيق الأمن الغذائي :

 

أظهر التحليل السابق عن أوضاع الأمن الغذائي العربي أن البلدان العربية تعاني بالفعل من مشكلة حقيقية تواجهها الحكومات العربية متمثلة في كيفية توفير الغذاء اللازم لشعوبها، وأيضا مشكلة زيادة معدلات نمو الفجوة الغذائية في العديد من البلدان العربية وذلك لأن الإنتاج المحلي عاجز عن تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، وفي الواقع يرتبط هذا الوضع بكثير من المتغيرات منها ما هو خاص بالظروف الداخلية للدول العربية والتي تحد من قدرتها على الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي كالعوامل الطبيعية والمناخية، وتزايد عدد السكان ومايشكله من ضغط على الموارد الطبيعية، وضعف تمويل البحث العلمي في مجال الزراعة للرفع من الإنتاجية الزراعية، وضعف الاستثمار الزراعي، كل ذلك أدى إلى مفاقمة الأزمة الغذائية العربية ويتطلب لأجل ذلك إيجاد سياسات وطنية تستند إلى الإدارة المتكاملة والرشيدة والمستدامة للموارد الطبيعية لتغطية الاحتياجات الغذائية الأساسية للسكان، كما أن الأمر يتطلب تكاثف الجهود الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني للتصدي لهذه المشكلة التي يقع العبء الأكبر منها على القطاع الخاص في زيادة الصناعات الغذائية التي تشكل الحجر الأساسي في الأمن الغذائي العربي وفي توفير متطلبات السكان من الأغذية، وفي زيادة الاستثمار بالقطاع الزراعي ودوره في الاستثمار أيضا بالبحث العلمي.

 

1- أهمية القطاع الخاص في المساهمة في دعم الأمن الغذائي العربي :

 

إن دعوة القطاع الخاص العربي للمساهمة في تحقيق التنمية ودعم الأمن الغذائي العربي يأني من كونه يمثل :

 

-       رؤوس الأموال التي يمكن استثمارها في القطاع الزراعي.

-       يتميز بالخبرة العلمية التي تكونت لديه بتقادم السنين من خلال تجربته في المشاريع الاستثمارية.

-   قدرته على الموائمة بين عناصر الإنتاج الأخرى (الأرض، رأس المال، العمل) والحصول على أفضل إنتاج أو أقصى أرباح من ذلك.

-       هدفه الأساسي تحقيق الأرباح.

-       مرونته في الاستجابة لمتطلبات السوق، وقدرته للتعامل مع متغيراته.

-       يتميز بالسرعة في اتخاذ القرارات وتجاوز الإجراءات الروتينية.

-       تتميز مشاريعه بالجدوى الاقتصادية والمالية والفنية.

 

فالقطاع الخاص يستطيع النهوض بالقطاع الزراعي والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال :

 

أ- الاستثمارات الزراعية : حيث أن الاستثمار الزراعي يعتبر من أهم الحلول لمواجهة أزمة الغذاء، فهذا الأخير هو المحرك الرئيسي والدافع للتنمية الزراعية المستدامة، لقد كشفت أزمة الغذاء العالمي عن أهمية الاكتفاء الذاتي بالنسبة للدول النامية، إذ أن الكثير منها كانت تجاهلت الاستثمار في مجال الزراعة بسبب أسعار الغذاء العالمية المنخفضة خلال الأعوام الـ 25 الماضية، لكنه مع انخفاض خصوبة الأراضي والتغير المناخي وشح موارد المياه اللازمة للزراعة، انخفضت منتجات المحاصيل الزراعية بشكل مستمر، ومن جانب آخر ارتفعت الواردات الزراعية وترتب على ذلك فقدان "السيادة الغذائية" إلا أن الدول التي أولت قطاعها الزراعي ما يستحقه من استثمار ودعم واهتمام ربما يكون الأقوى على تخطي الأزمات الغذائية، ومن هذه الدول الصين التي كانت تحصل على مساعدة من برنامج الغذاء العالمي، غير أنها أصبحت حاليا من الدول المانحة منذ عام 2005، ففي الوقت الذي خفضت فيه العديد من الدول النامية الاستثمارات والتمويل في القطاع الزراعي، ظلت الصين تهتم بالاستثمار بهذا القطاع وتطويره حتى أصبحت دولة رائدة في الزراعة.

 

وتبذل الدول العربية جهودا حثيثة لجذب وتسهيل الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعاتها الزراعية، إذ يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر مساهما محتملا في سد الفجوة في الاستثمار الزراعي ولو أنه هناك قلق من الدول المضيفة لهذا الاستثمار المباشر لما يمكن أن يشكله من ضرر للبلدان المضيفة، إذ أن هذه الأخيرة ترغب في تحقيق أهداف تنموية محددة تتفق مع سياساتها الإنمائية أو سياساتها الزراعية، والمستثمر بدوره يرغب بتحقيق أهداف أخرى قد لا تتفق مع أهداف الدول المضيفة، وهنا لابد من العمل على تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر مع تحقيق التوازن بين مصلحة الدولة المضيفة ذاتها والمستثمر الأجنبي.

 

وعلى العموم فإن أغلب التوصيات الصادرة عن المنظمات الدولية للتعامل مع أزمة الغذاء تؤكد على أن الاستثمار بمختلف أنواعه سواء كان استثمار مباشر أو غير مباشر أو استثمار محلي أو أجنبي وتشجيعه هو أحد الطرق الفعالة لمواجهة أزمة الغذاء. 

 

ب- الإنتاج والتجارة والتسويق والنقل والاستيراد حيث أن الشركات التي تمارس أنشطة اقتصادية متنوعة في القطاع الزراعي في البلدان العربية تنضوي معظمها تحت لواء القطاع الخاص، ويمكن لها أن تساهم بنسبة مهمة في الناتج المحلي الإجمالي من خلال ما تحققه من قيم مضافة في الاقتصاد القومي.

 

كما أن الممارسين لمهنة التجارة هم أيضا من القطاع الخاص وكثير منهم يعمل في تجارة السلع الزراعية على المستوى الداخلي والخارجي، وبدوره فإن التسويق يعتبر من أهم وسائل دعم القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، ويتعلق الأمر هنا بعملية  تسويق المنتجات الزراعية من أماكن إنتاجها إلى الأسواق، وهنا يلعب القطاع الخاص دورالوسيط بين مراكز الإنتاج والأسواق، إضافة إلى النقل الذي يعتبر من أهم المجالاات لتطوير الزراعة، إذ أنه ما الفائدة من الزراعة بدون نقل الإنتاج إلى الأسواق الداخلية وتصدير الفائض من إنتاجها إلى الأسواق الخارجية. (16)

 

والكثير من شركات القطاع الخاص تعمل في مجال نقل الشاحنات الزراعية نظرا لامتلاكها الشاحنات المبردة والآليات الضرورية حسب متطلبات الإنتاج الزراعي وبخصوص استيراد السلع الغذائية وتصديرها، فإن القطاع الخاص يتميز بشبكة علاقات اقتصادية واسعة مع شركات عربية ودولية بحيث تعطيه القدرة على تلبية حاجة السوق العربية والمحلية من السلع الزراعية عن طريق استيرادها أو تصديرها من وإلى الخارج بالسرعة الممكنة خلافا لما تميز به القطاع العام من إجراءات معقدة روتينية. (17) 

فالمشروعات الزراعية الصغيرة تعتبر بمثابة بوابة التنمية الريفية وتساهم في توسيع القاعدة الإنتاجية وتقلل من الاعتماد وعلى الاستيراد وما يسببه ذلك من تضخم في الأسعار وأيضا تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وسد عجز كبير من الفجوة الغذائية العربية والمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين في إطار سعيها إلى تحقيق وتنسيق التكامل الصناعي والإسهام في تنمية وتطوير الاقتصاد العربي، فإنها أولت في السنوات الأخيرة اهتماما خاصا بتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها مدخلا لتنمية الصناعات التحويلية لما لهذه الصناعات من دور في مكافحة البطالة.

 

د- الاستثمار في البحث العلمي :

 

 إن البحث العلمي في مجال الزراعة يهدف إلى تحسين الإنتاج الزراعي واختيار أفضل طرائف الإنتاج وأكثرها اقتصادية بما يتناسب وظروف كل بلد وطبيعته، وهو يفتح آفاقا جديدة لكشف مصادر غذائية متنوعة للإنسان الذي يسعى لتطوير الإنتاجية الزراعية عبر أنواع جديدة أو أصناف جديدة أو زيادة الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية للأنواع النباتية، (18) إلا أن البحوث العلمية الزراعية في معظم الدول تعاني من عدة صعوبات تحد من قدرتها على تحقيق هذه الأهداف، وأهم هذه الصعوبات ضعف التمويل وعجز العديد منها عن مواجهة مشاكل التنمية دون عون خارجي والافتقار إلى أسلوب لإدارة الموارد البشرية والمادية المتاحة ونقص في الأطر البشرية المدربة.

 

والمتأمل في واقع تمويل البحث العلمي في البلدان العربية يجد أنه يختلف كثيرا عن المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي، حيث أنه في البلدان العربية يعد القطاع الحكومي الممول الرئيسي لنظم البحث العلمي إذ يبلغ حوالي 80 بالمائة من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير مقارنة بـ 3 بالمائة للقطاع الخاص، و7 بالمائة من مصادر مختلفة وذلك على عكس الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا واليابان حيث تتراوح حصة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي من 52 بالماءة إلى 70 بالمائة.

 

هذا الإسهام الضعيف من قبل القطاع الخاص العربي في المؤسسات البحثية وخاصة الزراعية يرجع إلى عدم تقدير هذا القطاع للبحث العلمي وجدواه.

ومن هنا يجب تشجيع القطاع الخاص العربي على الاستثمار في البحث العلمي وتخصيص جزء من أرباح شركاته السنوية لدعم جهود البحث العلمي بهدف التوصل إلى إنتاج أصناف جديدة من المحاصيل عالية الإنتاج والإنتاجية وإقناعه بأنه سيكون من أول المستفيدين من تاريخ البحوث العلمية على المدى البعيد، وفي العالم أمثلة كثيرة على أن المراكز البحثية يقوم على تمويلها ودعمها الشركات الكبرى أو القطاع الخاص عامة. 

 

الهوامش : 

 

1-

مجلة العرب اليوم- العدد 5388 -17 نيسان 2012 محمد العبدلات - دور القطاع الخاص في تحقيق الأمن الغذائي العربي.

2-

تقرير الأمم المتحدة- اللجنة الإقتصادية لإفريقيا – مكتب شمال إفريقيا  الدورة السابعة   والعشرون للجنة الخبراء الحكومية الرباط-المغرب 6-9 مارس 2012. الأمن الغذائي في شمال افريقيا، تحليل الحالة واستجابات الدول لعدم استقرار الأسواق الزراعية ص .7

3-

سيتطلب النمو السكان زيادة بنسبة 70% في الإنتاج الغذائي بحلول 2050 – المصدر منظمة الأغذية والزراعة- اطعام العالم في عام 2050 (2009)

4-

المصدر السابق  تقرير الأمم المتحدة –ص.3

5-

منظمة الأغذية والزراعة الفاو WWW.FAO.ORG .

6-

المصدر نفسه – تقرير الأمم المتحدة  ص. 4

7-

المصدر نفسه – الصفحة نفسها.

8-

التقرير الإقتصادي العربي الموحد 2011.

9-

المصدر السابق ص 48.

10-

للمزيد من التفاصيل أنظر المصدر السابق ص 47-48.

11-

المصدر السابق ص. 320.

12-

المصدر السابق ص. 62.

13-

المصدر السابق نفس الصفحة.

14-

الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي – التقرير السنوي 2010.

15-

التقرير الإقتصادي العربي الموحد المصدر نفسه 62.

16-

www.baghdad chamber.com

17-

المصدر السابق.

 

رانية ثابت الدروبي – واقع الأمن الغذائي العربي وتغيراته المحتملة في ضوء المتغيرات الاقتصادية الدولية – مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – المجلد 24 – العدد الأول 2008 ص. 302.

 

 الدكتور ..عياد جلول 

 

باحث وكاتب لبناني مقيم في المغرب