يمارس الصحافيون أعمالهم في مصر في أجواء تتسم بدرجة عالية من الخطورة، لاسيما في ظل تعنت السلطات الحالية بحقهم، ورغم أن قرار فرض حظر التجوال يستثني الصحافيين والإعلاميين. إلا أن هذا الإستثناء لا يطبق على أرض الواقع،ة ويواجه الصحافيون تعنتًا كبيرًا من قبل ضباط الشرطة أو ضباط الجيش الذين يطبقون حظر التجوال ليلًا. وإذا ما أظهر الصحافي بطاقة عضوية نقابة الصحافيين لا يتم الإعتراف بها، ويطلب منه إظهار تصريح الإستثناء من وزارة الدفاع، رغم أن قرار حظر التجوال لا ينص على منح الصحافيين تصاريح بالإستثناء، بل بموجب بطاقة نقابة الصحافيين. وروى تسعة صحافيين معاناتهم في العمل أثناء حظر التجوال، أو العودة من العمل ليلًا، ويؤكد بعضهم أنهم يضطرون للمبيت في مقار صحفهم أو مواقعهم الإلكترونية تفاديًا لـ"البهدلة" أثناء العودة للمنازل. ويتعرض الصحافيون الأجانب للكثير من المضايقات من قبل السلطات الأمنية أثناء ممارسة عملهم، فضلًا عن تنامي المشاعر العدائية لدى المصريين تجاههم، ويرجع ذلك إلى أن الصحافيين الأجانب يواجهون إتهامات من قبل الحكومة وأجهزة الإعلام والفضائيات المصرية بعدم الحيادية وتبني أجندات مدافعة عن الإرهاب، ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين. ووضعت الهيئة العامة للإستعلامات شروطًا تعجيزية لدخول الصحافيين والمراسلين الأجانب مصر، أهمها الحصول على موافقة أجهزة المخابرات العامة المصرية، وجهاز المخابرات العسكرية التابع للجيش، إضافة إلى موافقة جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية.

 

ضد الأجانب


وقتل ستة صحافيين في مصر منذ فض إعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في 14 آب (أغسطس) الجاري، أربعة منهم في اليوم نفسه، وإثنان آخران في أوقات لاحقة، منهم تامر عبد الروؤف مدير مكتب جريدة الأهرام بمحافظة البحيرة الذي قتل أثناء عبوره كمين للجيش بمدينة دمنهور، وأصيب زميل له يدعى حامد البربري يعمل مراسلا لجريدة الجمهورية، وتعرض للإعتقال من قبل الجيش، وأخضع للتحقيق من قبل النيابة العسكرية، في إتهامات تتعلق بحيازة أسلحة. وتعرضت مجموعة من الصحافيين العاملين بشبكة رصد وفضائية أمجاد وموقع "إسلام توداي" للإعتقال بتهمة التخابر مع جهات أجنية. ويواجه الصحافيون الأجانب موجة من العداء من قبل المصريين العاديين، نظرًا لما تبثه الفضائيات المصرية ضدهم من إتهامات تتعلق بدعم الإرهاب، وتشوية صورة الجيش المصري في الخارج. وقال جون إدوارد، الصحافي بوكالة الأنباء السويسرية، إن الصحافيين الأجانب في مصر يعانون جدًا، مشيرًا إلى أن السلطات ترفض التعاون معهم، وإلى أن هناك حالة من الشحن يمارسها الإعلام المصري الرسمي والخاص ضدهم. ولفت إلى أنه نجا من الموت بأعجوبة عندما كان يجري مقابلات صحافية مع أسر ضحايا فض إعتصام أنصار مرسي أمام مشرحة زينهم، موضحًا أن مجموعة من الأهالي حاصروه وحاولوا الإعتداء عليه، وإختطفوا الكاميرا الخاصة به، لكن أسر الضحايا تدخلوا ووفروا له الحماية اللازمة حتى غادر. وأضاف: "تعرض فريق عمل من قناة روسية للضرب أمامه في منطقة وسط القاهرة، عندما أقترب منهم شخص  وأشار إلى آخرين عليهم، ونعتهم بأنهم جواسيس".

 

تنفيذ القانون بلا روح


وقال عصام كامل، رئيس تحرير جريدة وموقع فيتو، إن هناك مضايقات يتعرض لها الصحافيون المصريون أثناء حظر التجوال، مشيرًا إلى أن حدتها خفت بدرجة كبيرة أن التعنت الذي يمارسه ضباط الجيش ضد الصحافيين يرجع إلى أنهم ليست لديهم الخبرات الكافية في التعامل مع المدنيين، "فالجندي المصري مدرب على تنفيذ الأوامر العسكرية أو تنفيذ القانون بدون روح، والمضايقات التي يتعرض لها الصحافيون أثناء حظر التجوال تختلف من كمين لآخر، بحسب شخصية الضابط ومدى تفهمه لطبيعة عمل الصحافة ودور الإعلام". وروى أنه أضطر ذات ليلة لتوصيل سيدة عجوز تعمل بالجريدة إلى منزلها أثناء حظر التجوال بسيارته، ورفض الضابط المسؤول عن أحد الكمائن بميدان الجيزة مروره، رغم أنه شهر بطاقة نقابة الصحافيين، فاضطر إلى إنزال السيدة وطلب من الضابط مساعدتها في الوصول إلى منزلها، فما كان من الضابط إلا أن سمح له بالمرور. وفي ما يخص المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون الأجانب، قال كامل إن الصحافيين والمراسلين الأجانب يمارسون دورًا يتخطى دورهم كصحافيين، وأوضح أنهم غير أمناء في نقل الصورة الحاصلة في مصر حاليًا، ويتبنون أجندات المنظمات الإرهابية، ويعتبرون جزءًا من مؤامرة كبرى تحاك ضد مصر. ودعا كامل الصحافيين الأجانب إلى الإنحياز للمهنية في تغطيتهم للشأن المصري، وأن ينقلوا جميع وجهات النظر وعدم تبني وجهة نظر أحادية ضد الشعب المصري.

 

إنتقادات حقوقية

في السياق ذاته، حذّرت مؤسسة حقوقية أوروبية من تنامي بيئة معادية لحرية الصحافة والإعلام في مصر، تصاعدت خلال الأسبوعين الأخيريْن بصورة تهدد سلامة وأمن الصحفيين. وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير له حول أوضاع الصحافيين في مصر،إن السلطات في مصر صعّدت من إجراءاتها التعسفية ضد الصحافيين، ووقفت عاجزة عن توفير بيئة ضامنة لسلامتهم وسط أجواء من الاستقطاب والتحريض الأهوج في الشارع، موضحًا أن طواقمه العاملة في البلاد وثقت 57 انتهاكًا ضد صحفيين محليين وأجانب منذ الرابع عشر من الشهر الجاري وحتى اليوم، تعدّدت ما بين القتل والإصابة ومصادرة المعدّات والاعتقال والاعتداء الجسدي. وندّد الأورومتوسطي بإقدام قوة من الشرطة والمخابرات على اعتقال أربعة من النشطاء، بينهم ثلاثة صحافيون عاملون في "رصد" وفضائية أمجاد التي تمّ قطع بثها تعسفيًا الشهر الماضي، هم عبدالله الفخراني وسامحي مصطفى ومحمد العادلي، إضافة إلى الناشط محمد سلطان، حيث جرى نقلهم إلى سجن طرة على ذمة الحبس الاحتياطي. واعتبر أن عملية الاعتقال تثير الشكوك بكونها حلقة في سلسلة استهداف حرية الصحافة، لأنها تأتي بالتزامن مع حملة متعددة الأوجه لاستئصال الأصوات التي تجهر بمعارضة السلطة القائمة في البلاد. وأضاف: "في ظل التعامل بقبضة من حديد مع الإعلام منذ تولّي الجيش زمام السلطة في مصر أوائل تموز (يوليو) الماضي، واعتقال العشرات من المعارضين باتهامات صورية في ظل غياب حقيقيّ لدولة القانون، فإنّ الشكوك تتعاظم حول قيام السلطات بتلفيق الاتهامات ضد الصحفيين المحتجزين، كما أن الحظر المفروض على الصحفيين من الالتقاء بذويهم أو أي محامين، يزيد من مخاوف تعرضهم للمعاملة الشديد لانتزاع اعترافات تحت التعذيب". ونوّه المرصد بأن 11 صحفيًا ما زالوا قيد الاعتقال، مكان احتجاز اثنيْن منهم مجهول.

 

حصاد القتل والإعتداء والإعتقال


ولقى ستة صحافيين مصرعهم خلال الأسبوعين الأخيرين، إضافة إلى 34 اعتداءً ضد عاملين في حقل الصحافة تمّ توثيقها في الفترة ذاتها، إذ أصيب 8 صحافيين بالرصاص الحيّ أو الخرطوش، وتعرّض 19 صحافيًا لاعتداء بالضرب ومصادرة المعدّات والموادّ المصوَّرة، كما تمّ تسجيل 7 وقائع محاصرة أو اختطاف ميداني أو تهديد بالسلاح لصحافيين من أجل منعهم من التغطية الصحفية أو إجبارهم على تقديم تغطية منحازة. تشتبه مسؤولية قوى الجيش والشرطة في 17 اعتداءً من هذه الاعتدءات، بينما تشير الدلائل إلى تورط مدنيين في حماية القوى الأمنية بارتكاب 5 اعتداءات، و 9 اعتداءات أخرى من قبل متظاهرين مؤيدين للرئيس المعزول، وبقي الطرف المعتدي مجهولًا في ثلاث حالات أخرى. واعتبر الأورومتوسطي أن الانتهاكات المتتابعة بحق الصحفيين، فضلًا عن الاعتداء على المؤسسات الإعلامية أو إغلاقها أو مصادرة معدّات صحفية، يعد مخالفًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميًا. وأبدت منظمة مراسلون بلا حدود قلقها من أن الوضع بالنسبة للإعلاميين في مصر بات "متوترًا للغاية". وقالت في بيان لها: "في الوقت الذي قتل فيه 3 صحفيين، وتعرض فيه عدد كبير من الإعلاميين للاعتداء أو الاعتقال، خرجت السلطة المؤقتة ببلاغ تقول فيه إن مصر تعبر عن مرارتها تجاه وسائل الإعلام الدولية التي تغطي الأحداث بطريقة منحازة لصالح الإخوان، وفي نفس الوقت تغض النظر عن أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها هذه الجماعة بهدف تخويف وترهيب المواطنين".