تباينت مواقف خبراء ومحللين اقتصاديين حول جدوى التوقيع المرتقب على اتفاقية جديدة للصيد البحري بين المغرب والإتحاد الأوروبي، منهم من رأى فيها فرصا كبيرة للربح ستجنيها البلاد من هذه الاتفاقية، بينما اعتبر آخرون أن المصادقة عليها ضربة قاصمة لقطاع الصيد البحري في البلاد، وما يمكن أن يدره من خدمات واستثمارات محلية على العديد من القرى والمدن الصغيرة الساحلية.

ويترقب قطاع عريض من المهتمين بمجال الصيد البحري ردة فعل الحكومة المغربية إزاء الدعوات الأخيرة، خاصة من طرف رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي الذي طلب الشروع في مفاوضات عاجلة مع المغرب بشأن مصير اتفاقية الصيد البحري التي أثارت جدلا عارما حينما رفض البرلمان الأوروبي، قبل بضعة أسابيع، تمديد البروتوكول السنوي للصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.


تنمية القرى الساحلية

وقال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني إن المغرب سبق له أن وقَّع اتفاقية الصيد البحري مرارا تحت ضغوط من الاتحاد الأوروبي، ومن أجل أن يربح مساندته السياسية والدبلوماسية في نزاع الصحراء، أو على الأقل يضمن حياديته في هذه القضية التي عمَّرت طويلا بين المغرب والبوليساريو والجزائر.

وشدد الكتاني، في تصريحات ، على أنه كان ينبغي على الحكومة المغربية التشبث بموقف الرفض إزاء توقيع اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، ما دام رفْض التمديد جاء من الأوروبيين أنفسهم، مضيفا أن عدم القبول بتلك الاتفاقية من طرف المغرب سيكون مفيدا للبلاد اقتصاديا واجتماعيا على أكثر من واجهة.


وأوضح أن هناك عدة مدن صغيرة وقرى على طول الشواطئ الساحلية تعيش على مداخيل قطاع الصيد البحري فقط، ويمكن للمغرب أن يُقوي هذه القرى التي تتوفر على حد أدنى من المؤهلات لنشاط الصيد البحري، مما يجعل اقتصادها المحلي ينبني على الاستثمارات المرتبطة بالصيد البحري.


وتابع الكتاني أن مشروع تنمية هذه القرى يوقف الهجرة من البوادي إلى المدن باعتبار أن الصيد البحري يكون حينها النشاط الدافع والمحرك الأساسي للاستثمار في مختلف الخدمات في هذه القرى، كما أن ذلك سيتيح فرصا هامة للشغل لفائدة الشباب.


نهب الخيرات

وانتقد الكتاني ما سماه منح خيرات البلاد للغير، في إشارة إلى فتح الشواطئ المغربية للأوروبيين لاستغلال الثروات السمكية دون مقابل كبير، مشددا على أنه يجب على المغرب أن يحتضن النشاط البحري، ويساعد الصيادين وذوي مهن البحر على التجهيز، ليكون قيمة مضافة للقرى تساهم في تنمية خدمات ومشاريع طبية وصحية واجتماعية وثقافية وترفيهية.

وقال إنه لا يفهم قصر نظر المسؤولين في ملف الصيد البحري، متسائلا لماذا لا تستطيع الحكومة قول "لا" للاتحاد الأوروبي في هذا المجال تحديدا، كأنها تعاني من عقدة النقص إزاء هذه البلدان الأوروبية التي تأتي لنهب الثروات السمكية للبلاد بأقل الأثمان.


واسترسل الكتاني "يجب أن تكون الأولوية للقضايا الاجتماعية المحلية، ومنها مساهمة قطاع الصيد في الحد من بطالة أكثر من 2 مليون شخص أتوا في أغلبهم من القرى المهمشة، التي لو عرف المغرب كيف يدبر ملف الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، لطَوَّر قدرات تلك القرى وإمكاناتها الاقتصادية إلى ما هو أفضل بالنسبة للبلاد".

مكاسب وخسائر

ومن جهته، عدد الخبير في الصيد البحري محمد الناجي الفرص العديدة التي تشكل ربحا هاما وحيويا بالنسبة للمغرب عندما يقرر تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي، ومن ذلك استفادته من التسويق الواسع لمنتجاته السمكية والفلاحية بفضل مشروع تحرير التجارة.

وأوضح الناجي أن المغرب سيستفيد ماديا وسياسيا من اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، فمن حيث الجانب السياسي السماح بالمراكب الأوروبية باستغلال الثروات البحرية في السواحل الجنوبية اعتراف ضمني هام من الطرف الأوروبي بسيادة المغرب على تلك الأقاليم.


وأضاف أنه في الجانب المالي، يحصل المغرب على مداخيل مادية هامة تناهز 36 مليون يورو كل سنة، أي حوالي 396 مليون درهم، مما يدعم خزينة الدولة التي تستثمر هذه العوائد في استثمارات زراعية وتجارية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل مباشر أو غير مباشر.


وأشار الناجي إلى أن أحد أكبر سلبيات اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، وتتمثل في تبديد مخزون الثروة السمكية للبلاد، نتيجة الاستغلال المفرط أحيانا للثروة السمكية من لدن بواخر الصيد الصناعي الأوروبية، التي تقوم أحيانا بممارسات تضر بالبيئة والثروة البحرية.