على الرغم من كل الحملات الدعائية لمحاربة الرشوة، وإنشاء الهيأة المركزية لمكافحتها، ورغم وصول حزب العدالة والتنمية الذي رفع شعار مكافحة الفساد إلى رئاسة الحكومة منذ ما يقارب عامين، إلا أنّ آفة الرشوة ما تزال في تصاعد مستمرّ آخر دراسة قامت بها منظمة "ترانسبارانسي" الدولية، كشفت نتائجُها أنّ 72 في المائة من المغاربة يروْن أنّ الرشوة ازدادات استفحالا خلال السنتين المنصرمتين، فيما اعتبر 72 بالمائة من العيّنة المستجوَبة أنّ الإجراءات التي تعتمدها الحكومة لمكافحة الرشوة فاشلة.

 

في هذا الصدد يقول رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العامّ محمد المسكاوي، إنّ الرشوة متفشية بالفعل في كثير من القطاعات العمومية، ولا يستطيع المرء إلا أن يتفق مع دراسة منظمة "ترانسبارانسي الدولية"، لكنّ مشكل المغرب الأكبر لا يكمُن في رشوة 20 أو 30 درهما، بل في الفساد الذي يحرم خزينة الدولة من ملايير الدراهم، والذي يؤدّي إلى الفقر وإلى الهشاشة الاجتماعية التي تساهم في تفشي الرشوة.

 

وأضاف المسكاوي ، أنّ الدعوة إلى محاربة "الفساد الأكبر" أولا، لا يعني تبريرا لـ"الرشوة الصغيرة" المتشفية في الإدارات العمومية والمستشفيات والأمن والقضاء، لكن لا يجب الاكتفاء بتسليط الأضواء على هذا النوع من الرشوة فقط، وإغفال الفساد الذي تتسم به الصفقات العمومية، وينخر مؤسسات الدولة، والأراضي التي تنهبها شركات العقار، واستغلال مقالع الرمال، والصيد في أعالي البحار.

 

"لا يجب أن نبيّن للمواطن المغربي أنّ مشكل المغرب هو رشوة 20 درهم، المتفشية في مراكز الشرطة والمستشفيات والإدارات، مشكل المغرب هو ملايير الدراهم التي أدت إلى الفقر والهشاشة، إذ يصل حجم أموال قضايا الفساد الرائجة أمام المحاكم إلى 216 مليار درهم، ضف إلى ذلك 15 مليار درهم، التي تضيع على خزينة الدولة بسبب اقتصاد الريع، وهو ما يمثل 95 في المائة من الميزانية العامة للدولة خلال السنة الماضية"، يقول مسكاوي، ويضيف أنّ هذه الأموال لو بقيت في خزينة الدولة ستنعكس على حياة المواطن، ومن هنا لن يرضى الموظفون الصغار بمدّ أيديهم للمواطنين، "وهذا لا يعني تبريرا للرشوة، ولكن ما ندعو إليه هو ألا تكون الرشوة الصغيرة عبارة عن الشجرة التي تخفي غابة الفساد الكبيرة".

 

وعن رأيه في ازدياد ارتفاع معدّل الرشوة خلال السنتين الماضيتين، مع تولّي حزب العدالة والتنمية الذي رفع شعار مكافحة الفساد خلال الحملة الانتخابية الماضية رئاسة الحكومة، قال مسكاوي إنه لا يجب ربط ارتفاع نسبة الرشوة بمجيء حكومة ابن كيران، لأنّ مؤشر الرشوة في المغرب ظلّ يرتفع منذ عشر سنوات وليس وليد اليوم، وأن هذا المعطى له جذور تمتدّ لـ 50 سنة ولا يمكن إلصاقه في الحكومة.

 

وأضاف "ما ألوم عليه حكومة ابن كيران هو غياب إرادة سياسية للحدّ من ارتفاع نسبة تفشي الرشوة، ضمن برنامجها، وغياب مخطط تشريعي لمحاربة الفساد، لأّنّ المخطط الحالي ليس في المستوى المطلوب، إذ أنه ليس بالرقم الأخضر نستطيع محاربة الرشوة" وعن الجهة التي يجب عليها أن تعمل على محاربة الرشوة، هل الحكومة أم الدولة، قال مسكاوي إنّ المسؤولية بينهما مشتركة، لأن الحكومة تمثل الجهاز التنفيذي ولها من الوسائل القانونية ما يخوّل لها ذلك، معتبرا أنّ محاربة الرشوة لن تتأتّى في ظلّ غياب قضاء مستقلّ.