بقلم :رويدا مروّه*

بعد الإيقاف المؤقت لعمل بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية والمبرّر "ظاهريا" بالحفاظ على سلامة المراقبين في وقت نسي هؤلاء المراقبون ومن خلفهم أن مهتمهم في الأساس كانت تفحّص وضع الميداني وتنفيذ بروتوكول موّقع لمعالجة أزمة في بلد تشوبه أحداث دموية لا أحداث "شغب" عادية! وفي وقت تتوّجه أنظار السوريين والعرب نحو مجلس الأمن والقرار الذي من شأنه حسم خيار التدّخل العسكري الخارجي لإنهاء الأزمة في سوريا، ووسط استمرار سقوط جرحى وقتلى يوميا في الأحداث الحاصلة في سوريا والتي شئنا أم أبينا ينقسم السوريون في ما بينهم "بحدّة" حول توصيف هذه الأحداث "بالثورة" أو "بالمؤامرة"، وهذا التناقض في توصيف الحراك الشعبي السوري لم نسمع به في اي بلد عربي آخر تأثرّ شعبه وساحاته بما يسّمى بالربيع العربي... ولكن من الملاحظ أنّ كلّ طرف يطلق تسميته على أحداث سوريا حسب مصالحه الخاصة في وقت لا ينظر أي طرف خارجي الى مصلحة الشعب السوري في الداخل... وسط كل هذه التناقضات والفرضيات المجهولة النتيجة في ما يخصّ حلّ الأزمة السورية يبقى ملف العسكري الجزائري السابق أنور مالك، العضو المنسحب من بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية الى سوريا، وما يمكن لفتح هكذا ملف الآن من كشف للأكاذيب والتهم العشوائية والتضليل الاعلامي الذي يمكن لأي مراقب أو صحفي عربي ان يدّعيه حول حقيقة ما يحصل في سوريا اليوم فأمثال مالك كثر ويملأون الفضائيات العربية يوميا و"يهلوسون" بآراء من خيالهم...

 

عرف أنور مالك شهرة كبيرة بين السوريين بشكل خاص والعرب بشكل عام بعد تصريحاته الصادمة في بداية عمل بعثة المراقبة الى سوريا حيث انتقد عمل البعثة وطعن في حياديتها واتّهمها بمحاولة تلميع صورة الاسد ونظامه واخفائها حقيقة جرائم النظام في سوريا... ولكن قلّة قليلة من العرب تعرف أن أنور مالك هو "نجم" التصريحات النارية "المستفزّة" والعشوائية والبحت "خيالية" وذلك منذ سنوات طويلة... ولعلّ أبرز هذه التصريحات حديثه قبل أشهر قليلة مع مجلة "المشعل" المغربية حيث تصدرت تصريحاته غلاف المجلة تحت عنوان مثير هو"كيف تسرق الجزائر بترول المغرب"...

 

وبما ان اعلام المشرق العربي والخليج العربي غالبا ما يكون بعيدا عن التقاط الأخبار التي تنشر في اعلام دول المغرب العربي لاعتبارات عدّة جغرافية وسياسية وجماهيرية، ليس لنقاشها مكان هنا، فلم ينتبه أحدهم لربط مواقف مالك الأخيرة حول سوريا بمسيرته الطويلة في زرع الفتن و"تهييج" الرأي العام بتصريحات نارية تجذب وسائل الاعلام كونها صدامية" لكنها لا تعتمد سوى على خيال قائلها حتى أنّك اذا أردت أقناع الرأي العام بمعلومات تفتقد البراهين والوقائع فما عليم سوى الاستعانة بالخبير العسكري "الخطيب" والمتحدّث اللبق ليقنع الجماهير... وللتالي خير دليل على هذه الكلام...

 

في العام 2010 حصل تبادل اتهامي بين الاعلام المغربي من جهة وانور مالك من جهة أخرى بعد تحقيق نشره الأخير في جريدة “الشروق” الجزائرية بعد زيارة قام بها مالك الى مدينة "الداخلة" المغربية (من أهم المدن السياحية في المغرب وهي من ضمن المناطق الصحراوية الخاضعة للسيادة المغربية) وفي تحقيقه آنذاك حاول مالك تبرئة ما ادّعى بأنها تهم باطلة من طرف النظام المغربي بحق جبهة البوليساريو وتحديدا تهمة العلاقة الموجودة بين بالإرهاب الدولي والجبهة عن طريق ما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”... مالك دافع عن الجبهة وحاول ابعاد التهم عنها بأسلوب "درامي" مشوّق كعادته (يمكن للجمي الرجوع الى مقال مالك المذكور)... ولكن الأهم انّه مهما كانت ادّعاءات مالك فهي "ساقطة" حكما لانّ أبرز مراكز الدراسات والابحاث الأوروبية والأميركية (التي يلجأ اليها العرب والغرب في تقييم الارهاب وتحديدا أولئك الذين يقفون اليوم ضدّ الأسد ونظامه) تؤكد وجود علاقات مشبوهة بين بعض قيادات جبهة البوليساريو ومنظمات ارهابية في منطقة الساحل في شمال افريقيا ولا سيّما في الحدود التي تشترك فيها دول الساحل وقد تأكدّ ذلك مؤخرا هو بعد حادثة اختطاف النشطاء الأوروبيين الثلاث من مخيم الرابوني وهو المنطقة الادارية لقيادة البوليسريو داخل مخيمات تندوف وهذه المعلومات توثقت بفيديوهات ظهر فيها المخطوفون تحت قبضة تنظيم ارهابي افريقي بالقرب من مالي بعد ان تمّ بيع الرهائن المخطوفين الى هؤلاء وثبتت هذه الوقائع ايضا بتصريحات من الامن المورتاني والمالي... اذن مالك بارع في الالتفاف على الحقائق بتحقيقات ومقالات "رّنانة" يدين فيها من يشاء ويبرئ من يشاء لمصالح هو وحده أعلم بها... وقد صنع مالك وقتها من مقاله سبق صحفي حاول من خلاله "مغازلة" النظام الجزائري بتوجيهه ضربة للنظام المغربي...

 

في العام 2011 عاد "النجم" الى الواجهة ولكن هذه المرة ليس عبر اعلام جزائري وانّما عبر اعلام مغربي ليصرّح في مجلة "المشعل" المغربية الاسبوعية، وهي أكثر المجلات اثارة في المغرب، بأن نفظ الجزائر مغربي المنبع وانّه يتوجب على الجنرالات في الجزائر اقتسام هذا النفط مع المغرب... وظهرت تصريحات مالك هذه على غلاف المجلة ليتفاجأ الجميع بهذه التصريحات حتى شعرنا انّنا امام "رواية" بوليسية خيالية بامتياز!... فهل من الممكن ان ينخدع ملوك المغرب على التوالي اي محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس لهذه الدرجة؟... ام انّ النظام المغربي، المعروف بأنّه نظام أمني قوي، ينتظر ضابط جزائري سابق ليخبره بذلك فيتحرّك؟... ام انّ المغرب يعرف هذه الحقيقة التي اخبرنا بها مالك لكنه يتكتم على الملف خوفا من رّدة فعل الجزائر التي لا تربطها بالمملكة علاقات جيدة بسبب اقفال الحدود البرّية بين البلدين منذ العام 1994 اضافة الى اتهام المملكة الجزائر بدعمها لخيار حق تقرير المصير للصحراويين الذي تطالب به جبهة البوليساريو بينما ترفضه المغرب وتقترح حكما ذاتيا بديلا؟... بكل الاحول فانّ سيناريوهات "تحت الطاولة" بين المغرب والجزائر ليست في صلب النقاشات هنا، ولكن ما يهمّنا هنا هو اثبات كذب ادّعاءات مالك...

 

فما ينفي كلام مالك جملة وتفصيلا ويؤكد عدم وجود اي حقول نفطية جزائرية مسروقة من المغرب (وقد تمّ تكذيب تصريحات مالك آنذاك من قبل جيولوجيين نشرت مواقع كثيرة توضيحاتهم في هذا الشأن) أي انها ليس لها امتداد داخل الاراضي المغربية علي الاطلاق هو انه في علم الجيولوجيا يتم اكتشاف النفط في نقطة منفردة وعندما يتم الحفر والعثور على البترول تقدم الشركة على حفر اعتباطي لتحديد الطول والعرض... فهل الجزائر حفرت في المغرب حتى نقول أنها سرقت بترول المغرب!... يمكن القول ان الجزائر استحوذت على اراضي مغربية ابان الاستعمار ولكن حاليا في ظلّ الحدود الوهمية لم تستغل الجزائر اي بترول له امتداد داخل المغرب... اذن مرة اخرى حاول مالك احداث "زوبعة" اعلامية حوله وفشل!

 

عاد مالك للواجهة مجددا عام 2012 ولكن هذه المرة كورقة قطرية "مثيرة" ومع حدث دموي بحجم الأحداث في سوريا ليقنعنا بعدم حيادية عمل البعثة وتآمرها مع النظام... وبغض النظر عن تقييمنا للبعثة وتقريرها الذي قدّمه الدابي قبل ايام ولكن بعض الامور التي تكشف عدم مصداقية مالك تاريخيا في كل تصريحاته ومقالاته تجعل مراجعة تصريحاته حول الوضع الميداني في سوريا ضرورة حتمية...

 

ذكر مالك في الاعلام ان المسؤولين السوريين حاولوا تخويفه وزملائه من اعضاء البعثة وأنّ السلطات السورية وضعت كاميرات خفية في حمام الفندق الذي يقيم فيه، وقال انه تلقى تهديدات بالقتل... كل ذلك يبدو تهما تقبل الطعن وتقبل التصديق، ولكن ما "يبهر" في تصريحات مالك التي تجمع دائما "سبحان الله" بين التحليلات الشخصية والخيال الواسع حين قال ان النظام السوري حاول إغراء المراقبين بكل السبل بما فيها ارسال النساء الى غرف المراقبين وكان يتنصت على مكالماتهم ويصور غرفهم... حسنا فلنفترض ان كلامه صحيح فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يخشى مالك من هذه الفيديوهات؟ ما لكن يعرف جيّدا بوجود فيديوهات تدينه وتطعن بمهمته في البعثة! واذا كان هناك فيديوهات تستحق خوف المراقبين فعندها ليس على مالك وسواه من المراقبين سوى لوم انفسهم لانحراف مهمتم من مراقبين لنزاع دموي الى سيّاح ممارسين للسياحة الجنسية في فنادق سوريا... مرة أخرى يتحفنا مالك "بالبهرجة" الاعلامية في تصريحاته ولا يقدّم لنا اي جديد... سوى انّه قدّم هذه المرة ورقة رابحة اعلاميا لأولئك الذين نصّبوا انفسهم ناطقين من قصورهم في عواصم الخليج وفنادقهم في نيويورك متحدثين باسم الشعب السوري...

 

بانتظار الطلّة الاعلامية القادمة لمالك من ساحة نزاع جديد وتصريحات "نارية" خيالية جديدة ولكن هذه المرة سيكون كلام مالك "ساقطا" سلفا ولن يكترث أحد بتكليف نفسه عناء البحث عن مصداقيتها او عدم مصداقيتها... ولا يلام هنا في قصة مالك مع الأزمة السورية سوى أولئك الذين اختاروا شخصا من أمثال مالك ليكون ضمن بعثة مراقبة وهو الذي لديه تاريخ واضح في اشعال الفتن السياسية اعلاميا وهو جالس في منزله في باريس...

صحافية لبنانية