لوموند" وصاحب كتاب "باريس مراكش" رفقة الصحافي علي عمار، إن الملك محمد السادس كان ذكيا، وفهم عبر متابعته لما يحصل في البلدان الإسلامية أن هناك مطالبة وحاجة ماسة إلى التغيير والتحرك، كما أكد مدينة مراكش هي مركز العلاقات المغربية الفرنسية.

 

لماذا إنجاز كتاب عن مراكش في هذا الوقت وما الجديد الذي جاء به؟

 
حسنّا، أعتقد أنّ سلسلة من الأحداث والقضايا قد سلّطت الضوء على مدينة مراكش وعلى دورها الرمزي والمحوري وجعلتها في مركز العلاقات بين فرنسا والمغرب
لا يمكن التطرق إلى العلاقات الفرنسية المغربية دون الحديث عن مراكش، فمراكش هي ملتقى النخب الفرنسية صيفاً وشتاءاً. وبصيغةٍ  أخرى كتاب باريس مراكش... يتحدث عن  العلاقات الفرنسية عبر ومن خلال مدينة مراكش.
 
علاقتك مع الصحافي المغربي لم تكن جيدة كيف تفسرون اشتراككم معه في إصدار هذا الكتاب؟

 
هذا ليس صحيحاً ولا أعرف من وراء نشر هذه الشائعة. علاقتي مع علي عمار كانت ولازالت جيدة كبقية علاقاتي مع عدة صحافيين وأصدقاء في المغرب بعدة مجالات وليس في الصحافة فقط، أؤكد أنه ما من خلاف بيني و بين السيد علي عمار.
 
لكم موقف من النظام المغربي، كيف يمكن لصحافي مثلكم أن يفرق بين الموقف الشخصي من النظام وبين الحياد الذي يفترض أن يكون لدى الصحافي؟

 
ليس بالضرورة أن نكتب في صفحات كتاب ما نكتبه في مقال صحفي تنشره جريدة ما، لذا فأنا أميز ما بين الكتابتين وأضيف أنني غادرت جريدة لوموند منذ عدة شهور. طوال تلك السنوات التي اشتغلت فيها في تلك الصحيفة كنت محايداً في كتابتي و كنت أكثر حذراً و احتراماً لأخلاقيات المهنة أما ما نشرته في كتبي الصادرة لحد الآن فهي  أرائي ووجهات نظري الشخصية.
 
حين كنت  أكتب في لوموند كنت منشغلاً بالإنصات لكل الأطراف وإيصال وجهات نظرهم للقارئ، بينما في مقالاتي التحليلية، سبق وأن أبديت آرائي الشخصية دون إعطائها الأولوية بل كنت أتحرى الموضوعية والحياد قدر الإمكان في تغطية الأحداث.
 
هل تعتقد أن هذا الكتاب سيمنع في المغرب، أم أن دار النشر ستتفادى توزيعه في المغرب وهل سيتم توزيعه بالدول المغاربية خاصة تونس والجزائر؟

 
لا أعرف. لا أعرف إن كان سيتم توزيع الكتاب في الجزائر وفي تونس، أما في المغرب فسيتم وضع طلب حتى يتم الترخيص بتوزيع الكتاب، هل سيتم الموافقة عليه ؟  لا أعرف.
لكن هذا سيكون بمثابة اختبار جيد لمعرفة ما إذا كان المغرب قد تغير.
 
هل تتوقع أن تتغير العلاقات المغربية الفرنسية مع وصول الإسلاميين إلى الحكم في المغرب وماذا في حالة فوز اليسار بالرئاسيات في فرنسا؟

 
في شأن الإسلاميين أنا أتجنب هذا الوصف وأفضل استعمال عبارة الحزب الاسلامي المحافظ، لانها في نظري هي الأنسب، وهو  الآن على رأس الحكومة المغربية ولم نلمس أي تغيير في طبيعة العلاقات بين فرنسا والمغرب . وأرى أنه إذا فاز اليسار الفرنسي في الانتخابات الرئاسية الوشيكة، فليس من المستبعد أن يطرأ تغيير على هاته العلاقات. وما هو مؤكد أن هذا التغيير أو التحول في العلاقات الفرنسية المغربية سيكون دقيقاً واليسار الفرنسي قد يأخد مسافةً أكثر من الملكية، وقد يصير أكثر مراعاةً للانتهاكات التي تمس بالحريات الفردية، وأكثر اهتماماً وتجاوباً بمحاربة الفساد. بخصوص قضايا أخرى والتي يتشبت بها المغاربة كثيراً فلا أعتقد أن الدبلوماسية الفرنسية ستغير مواقفها وبالخصوص ملف الصحراء فباريس ستبقى الحليف أو المساند الرئيسي للمغرب في هذه القضية.
 
ألا تعتقدون أن احتمال فوز الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية القادمة قد يعيد إنتاج تأزم العلاقات المغربية الفرنسية كما حدث في بداية عهد  حكم فرانسوا ميتران مع ما صاحبه من سلوك معادي لزوجته دانيال لوحدة المغرب وتعاملها مع البوليساريو؟

 
في هذا الباب يجب الفصل بين أمرين: سياسة جون فرانسوا ميتران وسلوك وسياسة دانيال.
آنذاك كان الجميع ينتظر ويترقّب التغيير،  واليسار أعطى إيحاءاً أن الديبلوماسية الفرنسية ستتغير وستميل وتتحرك في اتجاه الجزائر، وهذا الإحساس سرعان ما تبدّد وعادت فرنسا وديبلوماسيتها إلى وضعها الطبيعي ووجدت نفسها مرّة أخرى قريبة جدا من المغرب.

أمّا دانيال ميتران، فأعتقد أن أمر مساندتها و وقوفها إلى جانب الصحراويين المطالبين بالاستقلال كان التزاما شخصيّاًًً.
 
خبرتم المغرب، فالحزب أو القوة التي هيمنت على مشهد الحياة السياسية في مغرب الاستقلال هو حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية. هل تعتقدون أنه قادر على قراءة المرحلة براغماتيا والعودة أو استرجاع دوره الريادي؟

 
لا  أعتقد، فإذا ما نظرنا إلى تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي كان يعتبر  أكبر حزب معارض لفترة الحسن الثاني، ورأينا كيف تمّ إخضاعه من طرف النظام منذ حكومة اليوسفي وفيما بعد تمّ ابتلاعه مثل أفعى تهضم فريستها.
ولكن كما تعلمون هناك تيارات تقودها نخبة من الجيل الجديد تسعى لخلق ثورة داخل هذا الحزب
نعم، أعلم هذا ولدي أصدقاء داخل هذا الحزب، ولكن يبدو لي ذلك مستحيلا لأنه يتطلب وقتاً جد طويل خاصةً إذا ما علمنا أن هذا الحزب قد فقد مصداقيته مع المجتمع و مع حلفائه الاجتماعيين، لذلك أرى أنه من السهل خلق كيان حزبي جديد على بعث الروح في جثة ميتة.
 
يتبادر إلى الذهن سؤال له خصوصية تثير شيئا من الحيرة لدى المتتبع السياسي..  الربيع العربي يكاد يستثني الجزائر وبمقدار أقل المغرب مع العلم أن تونس شكلت قاطرة هذا الحراك. عدم وصول شظايا هذا الغليان العربي إلى المغرب و الجزائر، هل يفسر بنوع من المناعة التي يتمتع بها كلا البلدان ؟ أم أن هناك خصوصية ما قد ترونها كافية لتفسير هذا الإستثناء؟

 
أذكر أن الوضع في الجزائر غير مماثل للو ضع في المغرب و حالة الجزائر جد خاصة، أما الإنفجار الذي وقع في تونس فيعزى إلى أن الوضع كان خطيراً انذاك و النظام كان جد مستبد، و شخصيا أدهشني ما حصل ولم أكن أتوقعه ولكن في كل الأحوال تونس كانت مؤهلة لهذا الإنفجار نظراً للضغط الذي مورس فيها.
أما بخصوص الجزائر، فأنا لم  أنساق، عكس العديد من الصحفيين الفرنسيين، مع الطرح الذي كان يتنبأ بانتقال ثورة الربيع العربي إلى الجزائر التي خرجت لتوها من حرب أهلية دامية دامت عدة سنوات وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص لا أعرف بالضبط هل مائة مائتان أم تلاثمائة ألف.

أقاطعه): عفواً ألا تعتقدون أن حركة 20 فبراير هي إمتداد لصدى الربيع العربي في المغرب؟

 
طبعاً، وهاته الحركة تستعد الآن لإحياء ذكرى تأسيسها. والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو: هل انتهت حركة 20 فبراير ؟ لست متأكداً، هل تعلم ؟ لا شيء ينفي أو يؤكد أن هاته الحركة سوف لن تستأنف نشاطها رغم وصول الحزب الاسلامي المحافظ إلى السلطة.
أعتقد أن الملك كان ذكياً، وفهم عبر متابعته لما يحصل في البلدان الإسلامية أن هناك مطالبة وحاجة ماسة إلى التغيير والتحرك و بالتالي وجد الحل في تكليف الإسلامين بقيادة الحكومة، إذن هناك أشياء حدثت في المغرب أما المستقبل فليس بإمكاننا إلا أن ننتظر حتى نرى.
 
 هل تعتقدون أن تدخل حلف الناتو في ليبيا كما قال لي جون فرانسوا كان في أحد استجواباته الأخيرة والمنشورة في كود.ما يعتبر فرملة مؤقتة للمسار الطبيعي التاريخي لسيرورة ما تم التعارف على تسميته بالربيع العربي؟

 
 
لا أعرف، و لكن الأمر المؤكد هو أن الربيع العربي حركة ذات خلفية نابعة من العمق، و لطيلة سنوات وسنوات سنعيش مع هاته الثورات، أما ما حصل في ليبيا فمن المحتمل أن يكون قد أوقف وثيرة الثورات مؤقتاً، لكن شيئاً ما قد بدأ و مع هذه التطلعات و ثوق الشعوب أعتقد أن المزيد لا زال ينتظر.
 
هل تعتقدون أن حزب العدالة والتنمية المغربي هو حصان طروادة الذي راهن عليه الحكم في المغرب لإختراق وتجاوز اسوار قلعة الربيع العربي من أجل التّحكمِ في مستقبل هذا الحراك ؟ وهل الحكومة التي يقودها هذا الحزب قادرة على محو صورة حكومة الظل المتحكمة في دواليب تسيير الحياة السياسية في المغرب كما يعتقد العديد من المراقبين والمتتبعين؟

 
 
تماما هذا سؤال وجيه، أعتقد أن مستشاري الملك والذين ينكبون على ملفات من الحجم الكبير ويراقبون ويتدخلون في عمل الحكومة ما يعطي وضعا شاذاً ويفرز حكومة مزدوجة، وأعتقد أن هذا الوضع يريح إلى حد ما وضعية حزب العدالة والتنمية بانكبابها على نوع من الملفات المتعلقة بالمجتمع المدني، وتخليق الحياة الاجتماعية، ومحاربة نزعة التغريب ... في حين يظل القصر منهمكاً في القضايا الكبرى كالجيش، الأحزاب والأجهزة الاستخباراتية. هل سيدوم هذا الوضع طويلاً هذا هو السؤال المطروح؟
 
 
في نظرة استشرافية، مع العلم كما يخبرنا بذلك التاريخ أنه ما وصلت سلطة ثيولوجية الى الحكم إلا مالت إلى التطرف واستبدت بالحكم، و لم تتنازل عليه دون إراقة للدماء. هل تعتقدون أن هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي وصلت إلى الحكم (بما فيها حزب العدالة والتنمية المغربي ) مستعدة للإحتكام إلى صناديق الإقتراع التي أوصلتها إلى الحكم، و هل تؤمن بالإختلاف وستسمح بالتناوب على السلطة بما يستدعيه منطق الديمقراطية ؟

 
فيما يخص المغرب أعتقد أن الحزب الاسلامي المحافظ سيسمح بالإختلاف والتناوب أيضا. لا يجب أن ننسى أخر تصريحاتهم قبيل الإنتخابات حينما قالوا: ... و سيحبنا الملك ولو في 2018. أعتقد أنهم جد متريثين.
 
وإن تطرف هذا الحزب وتشدد و صار راديكالياً عكس ما تظنون؟

 
لا. لا أعتقد، لا أظن هذا، لأنهم ملكيون إسلاميون، هم حزب ملكي مغربي. نحن لسنا هنا أمام اسلاميي إيران الخميني