يفصح السفير الإندونيسي بالرباط توساري ويدجاجا، على أن الحكومة الحالية التي يرأسها عبد الاله بنكيران ليست كباقي الحكومات السابقة من حيث التواصل الدبلوماسي، وهي إشارة يراها توساري "قوية" من أجل تعزيز العلاقات بين المغرب وإندونيسيا في أفق تقويتها من الناحية التجارية والاقتصادية، والتي تبقى جد متواضعة بسبب تعقيد القوانين الجبائية بين البلدين.

 

من جهة أخرى، يثير السفير الإندونيسي بالرباط قضية الخادمات الإندونيسيات بالمغرب، وما يعِشنَه من سوء معاملة وتعسف "لا إنساني" من قبل المشغلين المغاربة، داعيا في الوقت نفسه الإندونيسيين إلى الامتناع عن المجيء إلى المغرب من أجل الاشتغال في البيوت بشكل غير شرعي، لأنه يبقى أمرا، وفق توساري، غير قانوني، مشيرا إلى تواجد كفاءات إندونيسية تشتغل في عدة قطاعات بالمغرب توساري، الذي التحق على رأس السفارة الإندونيسية بالرباك منذ مارس 2010، تحدث  أيضا عن تحدّي مكافحة الإرهاب والتطرف في بلاده، موضحا أن الأخيرة اختارت المقاربة الاجتماعية لمواجته، معتمدة على الرفع من رفاهية الشعب وتجنّب الفوارق الطبقية والتعليم والتربية.

كيف ترون العلاقات الإندونيسية المغربية في الوقت الراهن؟

 

العلاقات بين البلدين هي في أعلى القمم وهي في تطور على جميع المستويات، وممتدة في التاريخ، كما أن العلاقات المعاصرة تعمقت منذ الخمسينيات بعد الحرب العالمية الثانية بمجيء علماء المغاربة إلى بلدنا، كما كان هناك حضور الممثل المغربي الرسمي بمؤتمر بانكو سنة 1955 العلاقات كانت متينة خاصة في القرون الوسطى، لكن مجيء الاستعمار الهولندي بإندونيسيا والدولي بالمغرب جعل تلك العلاقة تصبح شبه معدومة نتمنى أن يكون هناك ما أسميه "جسر ثقافة" بين البلدين، وحان الوقت لتوطيد وتعزيز ذلك الجسر التواصلي وإعادة بناءه، نظرا لتاريخ البلدين، فنحن لدينا تاريخ عريق في العلاقات.

 

حاليا، هناك زيارات متبادلة بين وزراء ومسؤولي وطلبة وشباب كِلى البلدين كما أن لكل دولة منّا موارد بشرية طبيعية، فنريد من البلدين أن يستفيدا من بعضهما البعض منها، فنحن مثلا كنا نأخذ العلوم الدينية من رجال علماء مغاربة، فبلدكم يعتبر موردا للتعليم الديني من جهتنا مثلا، هناك شركة متعددة الجنسيات ومقرها بإندونيسيا، ستبني قريبا شركة في أكادير ومديرها إندونيسي وسيرسل مغاربة إلى بلدنا لأجل التكوين والتدريب لمدة 6 أشهر، ثم يعودون هنا لاستثمار ذلك في الشركة المذكورة، فنحن نود تبادل الخبرات والمعلومات وكذا الموارد البشرية أيضا، سيكون هناك طالبان مغربيان يدرسان على نفقة حكومتنا لمدة سنة لدراسة الثقافة الإندونيسية، إضافة إلى 3 طلاب مغاربة آخرين سيمنحون للدراسة بإندونيسيا.

 

نلاحظ أن هناك حيوية في العمل الدبلوماسي الإندونيسي بالمغرب، وذلك من خلال تنظيمكم للقاءات تستضيفون فيها شخصيات ومؤسسات مغربية، ما السرّ وراء ذلك؟

 

نريد من وراء ذلك بناء جسر تواصل بين البلدين، فالعلاقات التجارية والاقتصادية لا تزال متواضعة بيننا، ونحن نطمح لتحسينها حاضرا ومستقبلا.

 

يقال إن إندونيسيا تريد منافسة الصّين في السوق المغربية، ما مدى صحة هذا الكلام؟

 

الأمر ليس صحيحا، نحن دائما نحرص على المنافسة الشريفة وليس لتدمير الآخر، نريد من علاقتنا أن تتميز بالشراكة مع الصين من أجل المصلحة المتبادلة فدخولنا للسوق المغربية لتوفرنا على موارد طبيعية غير موجودة في المغرب، ونريد تقديمها.. فلكل بلد الحق في أن يقدم منتوجاته لأي بلد آخر، ويجب أن يكون هناك تنافس شريف من أجل مصلحة البلدان منتوجات إندونيسيا هي ذات جودة عالية وأثمنة تنافسية، وذلك من أجل مصلحة المجتمع المغربي الذي هو حُرّ في الاختيار حسب قدرته الشرائية فأؤكد من جديد أن منافستنا للصين أو أي بلد آخر بالسوق المغربية غير صحيح.

 

المعاملات التجارية بين المغرب وإندونيسيا ضعيفة، ما السبب؟ وكيف تفكر دولتكم في توسيع نشاطاتها داخل المغرب؟

 

هناك العديد من المنتجات الإندونيسية تدخل المغرب بشكل غير مباشر عبر دول أخرى، فمثلا البخور الذي تنتجه إندونيسيا، يأخذه المغرب بشكل غير مباشر من مصر، كما أن المغرب الذي يحتاج إلى 40 ألف طن من القهوة، فهو يأخذها من إسبانيا وإيطاليا، وهي من أصل إندونيسي ليست هناك للأسف تسهيلات في القوانين التجارية بين البلدين، من بينها فيما يتعلق بقانون الضريبة، فدخول منتوجاتنا وخروج منتجاتكم يخضع لضريبة عالية تنتج لنا أثمنة مرتفعة للسلع داخل الأسواق.

 

فالمعاملات التجارية متواضعة لأن دخول منتوجاتنا إلى المغرب يتم بشكل مباشر، فنحن نطمح أن تصبح العلاقة مباشرة فيما بيننا أيضا هناك إشكال المسافة البعيدة بين البلدين وسبق لنا توقيع اتفاقية ثنائية تهم التجارة بين البلدين عام 2008، لكنها للأسف بقيت دون تفعيل، وأخبرك أن الأمر سيتيسّر في نونبر القادم حيث سيتم تفعيلها من أجل محو كل تلك العراقيل.

 

إندونيسيا من الدول النشيطة اقتصاديا ولم تتضرر كثيرا من الأزمة الاقتصادية العالمية، كيف تحافظ الدولة على هذا النشاط؟

 

أشير هنا أن نمو الاقتصاد الإندونيسي وصل في السنوات الأخيرة إلى ما بين %5 إلى 7%، رغم تواجد الأزمة العالمية، والسر في ذلك راجع إلى اعتمادنا على السوق الداخلي الكبير، رغم أننا نحتاج إلى السوق الخارجية، لكن تبقى سوقنا الداخلية ذات أولوية بالنسبة لبلدنا، فنحن نعتمد على الذات أولا نعتمد أيضا على مشاريع اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية من أجل تطوير المنتوجات المحلية، مثل التعاونيات وكما تعلم فإندونيسيا من دول النمو وإحدى الدول العشرين الكبرى والقوة الاقتصادية رقم 15 في العالم، في وقت سبق لخبير اقتصادي ألماني أن قال بأن الاقتصاد الإندونيسي سيكون أقوى من ألمانيا في 2030، وذلك لأننا نحقق أهدافنا الاقتصادية بشكل جيد.

 

إندونسيا كالمغرب تواجه حربًا داخلية على "الإرهاب" والجماعات المسلحة، وهي حرب لا زالت سارية لحد الآن.. في نظركم، ما هي الأسباب المباشرة في وجود "الإرهاب" داخل إندونيسيا؟

 

كما تعلمون أن بلدنا تعيش تحدي محاربة الإرهاب كباقي البلدان، وفي دراستنا العميقة لأفكار الإرهاب والتطرف، وجدناها من أصل خارجي، أي أنها أفكار خارجية تؤثر على بعض الشباب اليائسين والمعطلين، الذين يذهب بعضهم للخارج فيحدث لهم "غسيل مخ" من قبل جماعات متطرفة للعودة كإرهابيين ومتطرفين فالمتطرف أو الإرهابي لا يحب الحكام الإندونيسين كما أن هناك بعض الحوادث تكون بسيطة، لكن الإعلام يتدخل ليُحجّم منها ويجعل منها حدثا دوليا كبيرا للأسف.

 

وما هي الآليات المعتمدة في إندونيسيا لمواجهته؟

 

الحكومة تعتمد المقاربة الاجتماعية بالعمل بجدية على رفع مستوى الرفاهية داخل المجتمع حتى لا تكون هناك فوارق اجتماعية، كما أن التربية والتعليم من بين أولوياتنا في تلك المقاربة من جهة أخر، نحن لا نحكم على الأشخاص قبل إصدار أي قرار، فإذا كان الشخص المتهم يعمل تلك الأفعال الإرهابية وخلف أضرارا للمجتمع، فلا بد أن يُحاكم أمام المحكمة كما نقارب الظاهرة بالتعاون مع بلدان مختلفة في مجال مكافحة الإرهاب، ونتمنى مستقبلا أن يحصل تبادل مع المغرب في مجال تبادل المعلومات والخبرات لكي نخفف الأضرار الناجمة عن الأحداث الإرهابية.

 

كيف هو التواجد الإندونيسي في المغرب؟ (طلبة، مستثمرين، عمال..) وما عددهم بالضبط؟ وهل هناك اندماج في المجتمع المغربي؟

 

فيما يخص الطلبة الإندونيسيين بالمغرب، فقد وصل عددهم تقريبا 200 طالب، بعد أن كان عددهم 45 عام 2010، وهو عدد قليل مقارنة مع تواجدهم في مصر مثلا، إذ يتجاوزون 7000 طالب، ونتمنى مستقبلا أن تحصل زيادة في عدد طلبتنا هنا بالمغرب الإندونيسيون مندمجون في المجتمع المغربي بمرونة، فهناك مثلا مواطن اندونيسي يدرب فنون القتال هنا بالمغرب بشكل عادي ومرن، وهناك دروس في اللغة الاندونيسية تعطى بالجامعة لفائدة الطلبة المغاربة من قبل أساتذة من إندونيسيا..

 

فيما يخص رجال الأعمال، هناك أيضا اندماج، ونتمنى تحسين القوانين من أجل حصول اندماج أكثر لهذه الفئة مع زيارات أكثر للبلدين ووفق معلوماتنا، هناك شركة جديدة اسمها "اندوماروك" بتيفلت، إضافة إلى مشروع "إندوفود"، وهو مشروع في انتظار الموافقة عليه من الحكومة المغربية والمنتظر أن ينطلق نونبر القادم هناك أيضا شركة اسمها "هوتطن" نواحي أكادير لصناعة الصلب الحديد ومتعددة الجنسيات ومقرها بأندونيسيا، ولديها فروع في مالي وموريطانيا، ومن المنتظر أن يتم تكوين بعض المغاربة لـ6 اشهر بإندونيسيا من أجل الشروع في العمل.

 

في مجال الخدمات، هناك إندونيسيون ذوو كفاءة يعملون كمهندسين في شركات "نوكيا" و"ماروك تيليكوم" مثلا، إضافة إلى موظفين ومستخدمين في مطاعم الطبخ الاندونيسي ومحلات التدليك والفنادق وكل هذا يتم بموافقة الحكومتين المغربية والاندونيسية بتشغيل خادمين وعمال أجانب ذوي كفاءة.

 

ماذا عن ملف الخادمات الإندونيسيات الذي أثير مؤخرا إعلاميا بالرباط ؟

 

الحكومة الاندونيسية كما المغربية غير موافقة على وجود عمال في المنازل بشكل غير شرعي، هناك مثلا مغاربة يأتون بإندونيسيات من الخليج من أجل العمل عندهم كخادمات، وبعد قضاء أزيد من 3 أشهر يصبح وضع أولئك الخادمات غير قانوني بالمغرب، لأن مشغلها لا يقوم للأسف بإجراءات إحداث بطاقة الإقامة نسجل أيضا المعاملة اللاإنسانية والتعسف في حق الخادمات الإندونيسيات بالمغرب، ونحن لا ندعم إحضار خادمة غير ذات كفاءة إلى المغرب..

 

هل هناك حالات؟

 

عندنا 20 حالة من الخادمات غير الشرعيات بالمغرب، وأدعو عبر منبركم المواطنين الإندونيسيين بعدم القدوم إلى المغرب لأجل الخدمة في البيوت، احتراما لقانون التشغيل المغربي والإندونيسي ولا بد أنكم سمعتم بحالة السيدة آنيتا بت سوكانجي، التي كانت ضحية معاملة غير إنسانية تتعارض مع مبادىء حقوق الانسان من طرف مشغلتها بالمغرب، حيث عقدنا مؤتمرا صحفيا بالرباط بتعاون مع المركز المغربي لحقوق الإنسان، لتسليط الضوء على القضية خصوصا وعلى موضوع الانتهاكات التي تتعرض لها الخادمات الاندونيسيات بالمغرب.

 

ولا تزال تلك الخادمة تقيم عندنا هنا بالسفارة في انتظار إصدار حكم قضائي بعد أن ظل ملف قضيتها مُعلّقا منذ أزيد من 10 أشهر، بدون إصدار حكم في شأنه وفي غياب استفادة الخادمة من حقوقها عن فترة عملها لدى مشغلتها.

 

ما رأيكم في حصيلة العمل الحكومي الحالي؟

هناك موقف مشرف من قبل الحكومة المغربية ومن قبل مجلسَيّ البرلمان، من خلال تصريحات وأقوال الوزراء بأن هناك اهتماما كبيرا تجاه بلدان آسيا، وأن هناك أولويات في العلاقة الخارجية مع 8 دول، من بينها إندونيسيا، وهي إشارة قوية في نظرنا لتقوية وتعزيز علاقاتنا الثنائية كما أن مواقف الحكومة الحالية معنا إيجابية ولم نجدها في الحكومات السابقة، وهي دلالة واضحة أن علاقتنا في تطور.. ولا شك أن التعاون في مجالات السياحية والفلاحة والتجارة والاقتصاد، والتي نظمت على إثرها ندوات ولقاءات مؤخرا، تعبر على أن لهذه الحكومة رؤية واضحة ونحتاج إلى وقت أطول لتكوير العلاقة.

 

هل لديكم تواصل مع قيادات سياسية وفكرية مغربية؟

 

لدي علاقات متينة مع مثقفين وعلماء وسياسيين مغاربة، وهي علاقات تهدف لتبادل الأفكار، إضافة إلى رؤساء مختلف الجامعات، وأيضا مع المجتمع، التي تتم بشكل عادي، كما توجه لي دعوة كل يوم جمعة من أجل أكل وجبة الكسكس المغربية.