رغم الصمت والهدوء الحذر الذي تعيشه الساحة السياسية في الجزائر منذ مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور هادئة في الكواليس، بل ان الصراع اندلع على أشده استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة، حتى وإن كان الكثيرون يفضلون العمل بعيدا عن الأنظار والأضواء، حتى لا يتهموا باستغلال فترة مرض الرئيس من أجل الظهور السؤال المطروح بحدة في الجزائر هذه الأيام، خاصة لدى العارفين بما يدور في ‘المطبخ’ هو: من يصنع الرئيس القادم؟ سؤال رغم بساطته إلا أنه يبدو شديد التعقيد، خاصة وأن لا أحد يعرف كيف تسير الأمور في الكواليس، وهل موازين القوى داخل نظام الحكم بقيت على حالها، أم أنها تغيرت لصالح جهة على حساب أخرى؟


الكثير من المراقبين ما زالوا ينظرون إلى نظام الحكم نفس النظرة التقليدية، وهي أن المؤسسة العسكرية هي التي تصنع الرؤساء، ولكن هناك من يرى أن موازين القوى تغيرت، على الأقل نسبيا، منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم، علما أنه خاض منذ البداية حربا مفتوحة على ثقل المؤسسة العسكرية، وعمل على تحييدها وإضعاف دورها السياسي، ويتذكر الكثيرون ربما، لما كان يصف جنرالاتها بالقطط التي حسبها الناس أسودا، حتى وإن كان مسؤولو هذه الأخيرة يؤكدون دائما أنهم لا يمارسون السياسة، ولا علاقة لهم بها، وأنهم حين اضطروا لذلك، فعلوا بما يمليه عليهم الواجب لا أكثر، نقاش جدلي بخصوص دور المؤسسة العسكرية والمؤسسة الرئاسية منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم، يصعب التوصل بشأنه إلى إجابة مقنعة للجميع.


إذا رجعنا إلى الوراء قليلا سنجد أنه كانت هناك محاولة غير معلنة لتوريث الحكم في الجزائر، جهات كثيرة عملت على تمهيد الطريق لشقيق الرئيس الأصغر ومستشاره السعيد لتولي الرئاسة، حتى وإن كان هذا الأخير لم يعلن ذلك صراحة، لكن الآلة تحركت فعلا تمهد الطريق قبل أن تصطدم، حسب المراقبين، بـ’فيتو’ المؤسسة العسكرية، التي رأت، حسبهم، في خطوة مماثلة خطرا على مستقبل البلاد وأمنها، فالجزائر لا يمكن أن تتحمل تبعات قرار خطير مثل هذا، قبل أن يتم التراجع عن المشروع نهائيا، خاصة مع رياح الربيع العربي التي هبت على الجزائر، دون أن تثير عاصفة مثلما حدث في دول أخرى.
بوتفليقة كان قد عدل الدستور وفرض على الجميع القبول بولاية ثالثة، كما أن المحيطين به شجعوا هذا الأمر، ودفعوه إليه دفعا، فاستمرار بوتفليقة في الحكم استمرار لهؤلاء ولمنافعهم ومصالحهم، وكانت الولاية الثالثة فارغة من حيث المحتوى، خاصة وأن بوتفليقة قضى ثلاث أرباع فترتها مريضا وغائبا عن الكثير من النشاطات، حتى وإن كان مرضه وغيابه في الكثير من الأحيان غير معلن.
بعض المطلعين على ما يدور في’ المطبخ’ يؤكدون أن بوتفليقة استمر في الحكم ‘عنوة’ وأن المؤسسة العسكرية لم يكن لها خيار إلا القبول، فرضية يرفضها الذين يرون أن كل شيء بيد الجيش، ولكن أصحاب الطرح الأول يؤكدون أن إبعاد عدد من رجال الرئيس المقربين مثل شكيب خليل وزير الطاقة السابق ونور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية السابق ابتداء من 2010، لم يكن اعتباطيا، وأن الكثير من الضغوطات زالت ابتداء من ذلك التوقيت.

كل هذا يقودنا إلى المرحلة الحالية، فالرئيس مريض وغائب منذ حوالى 40 يوما، مرض مفاجئ وجلطة دماغية يقول الكثيرون أن سببها نوبة غضب لها علاقة بشقيقه الأصغر السعيد، البعض يقولون إن الرئيس أقاله من منصبه كمستشار، والبعض الآخر يؤكد أن السعيد منع من دخول الرئاسة بأوامر فوقية، وفريق ثالث يفسر نوبة الغضب بأن الرئيس لم يتحمل ولم يتوقع أن يذكر اسم شقيقه في الصحافة ويربط بالفساد الذي تعرفه البلاد.


المحلل السياسي محمد شفيق مصباح وهو عقيد سابق في الجيش وأحد ‘أدمغة’ المخابرات الجزائرية يرى أن البلاد تسير إلى الهاوية، لكنه مقتنع بأن قائد جهاز المخابرات الفريق محمد مدين المعروف باسم ‘توفيق’ رجل نزيه، وأنه عليه أن يتحمل مسؤولياته وينقذ البلاد مما هي فيه، وهذا الرأي الذي جاء على لسان مصباح في ‘الجنرال توفيق’ يقوله كل الذين عرفوا الرجل عن قرب، ويضيف العقيد المتقاعد أن الذهاب إلى انتخابات رئاسية في الظروف الراهنة سيمكن جماعة الرئيس بوتفليقة من فرض أحد مرشحيها، سواء تعلق الأمر برئيس الوزراء الحالي عبد المالك سلال أو رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم.

ويؤكد محمد شفيق مصباح أن الحل هو تشكيل قيادة رئاسية جماعية انتقالية، يقودها الرئيس السابق اليامين زروال، ويكون ضمن أعضائها كل من رؤساء الحكومات السابقين علي بن فليس، ومولود حمروش وأحمد بن بيتـور، مشـددا على أن زروال جنـدي وأنه سيـلبي نـداء الوطن والواجب مثلما فعل دائما هذا التحليل الذي يقدمه الضابط السابق والمحلل السياسي الحالي محمد شفيق مصباح يعزز فرضية أن الجيش لم يعد يصنع الشتاء والربيع مثلما كان عليه الأمر من قبل، وأن صناعة رئيس هذه المرة سيكون أمرا صعبا، وأن وقوع انزلاقات أمر وارد، خاصة على ضوء المخاطر المحدقة بالبلاد من كل ناحية.

 

 

المصدر: الجزائر تايمز