يتواصل مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وغيابه عن أرض الوطن، رغم البيان المطمئن الذي صدر عن الرئاسة منذ ثلاثة أيام، وجاء فيه أن صحة بوتفليقة تعرف تحسنا ملحوظا، وأنه سيخلد إلى فترة راحة، وهو ما فهم منه أن الرئيس بوتفليقة غادر مستشفى فال دوغراس العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس، خاصة وأن صحافيا بقناة ‘فرانس24′ اتصل بالمحمول الهاتفي للمستشفى فقيل له ان بوتفليقة غادر المستشفى، غير أن صحيفة ‘لوباريزيان’ عادت وقالت إن بوتفليقة لا يزال في ‘فال دو غراس′.


ومع تواصل ‘مرض الرئيس′ يتزايد الشعور بأن ساعة التغيير حانت، وهي على أية حال ليست بالبعيدة، بصرف النظر عن الوضع الصحي لبوتفليقة، فالانتخابات الرئاسية لم يعد يفصلنا عنها سوى بضعة أشهر، ومع ذلك فإن الآلة لم تتحرك بعد، وحالة الترقب هي التي تسيطر على الجميع، وخاصة المرشحين للترشح الذين ينتظرون معرفة تطورات الوضع الصحي لبوتفليقة، والتأكد نهائيا من أن فكرة الولاية الرابعة سقطت و’سحقت’.
لأول مرة يجهل الشارع الجزائري من هم أولئك الذين سيتقدمون للانتخابات الرئاسية القادمة، ففي انتخابات 1999 عرف الجزائريون مسبقا أن معركة الانتخابات الرئاسية سيخوضها عدد من الشخصيات التي تصنف ضمن خانة الأوزان الثقيلة، مثل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق، والزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، ويوسف الخطيب أحد أبرز قادة الثورة التحريرية، إضافة إلى عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان واضحا منذ البداية أنه مرشح النظام.

أما في انتخابات 2004، فقد كان واضحا أن المعركة ستجمع بين بوتفليقة الذي ترشح لولاية ثانية، وعلي بن فليس رئيس حكومته المستقيل، والذي كانت كل المعطيات تقدمه على أنه الفائز، لكن يوم الانتخاب تغير كل شيء وانقلبت الموازين في لغز حير الكثيرين، وفاز بوتفليقة بأغلبية ساحقة، وامتنع وزير داخليته السابق حتى عن ذكر اسم علي بن فليس عندما كان يعلن نتائج الانتخابات، إلى درجة أن الصحافيين الذين كانوا يستمعون له وهو يقرأ النتائج صدموا، وراحوا يلحون عليه لذكر اسم المرشح الذين وصفه بـ’الآخر’.
في حين أن انتخابات 2009 كانت محسومة سلفا لصالح بوتفليقة لسببين، الأول لأنه عدل الدستور من أجل إلغاء المادة التي كانت تمنعه من الترشح لولاية ثالثة، والسبب الثاني لأن المرشحين في تلك الانتخابات كانوا يصنفون في دائرة ‘أرانب’ السباق الانتخابي.
رغم أن رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور هو الوحيد الذي شذ عن القاعدة وأعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة، غير مبال بما يتردد عن الولاية الرابعة لبوتفليقة، مؤكدا أن التغيير ممكن في الانتخابات القادمة، إلا أن هناك أسماء أخرى مرشحة للترشح، وأخرى مرشحة للفوز بالرئاسة، وبين هؤلاء يتردد اسم مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق، الذي يوصف بأنه ‘رجل الإصلاحات’، ولكن العارفين بـ’الحسابات’ و’المقاييس′ يؤكدون أن حظوظ الرجل في تولي الرئاسة شبه منعدمة، لكن ذلك لم يمنعه من تمنية النفس بذلك، بدليل أنه حافظ على الصمت وعلى مسافة بعيدة من كل الأحداث التي عاشتها الجزائر طوال حكم بوتفليقة، دون أن يدلي بدلوه فيها أو يكشف عن موقف أو رأي من أي قضية.

المرشح الثالث هو أبو جرة سلطاني الذي تخلى قبل أيام عن رئاسة ‘إخوان الجزائر’ ليتفرغ ويستعد للانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ينوي أن يدخلها باسم تكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية، وهي حركات مجتمع السلم والنهضة والإصلاح، ويمكن أيضا لعبد الله جاب الله أحد رموز التيار الإسلامي أن يكون مرشحا مرة أخرى
كما يتم تداول اسمين، وهما عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى، وكلاهما شغلا منصب رئيس حكومة وتم ‘طردهما’ من حزبيهما، وعلى الرغم من أن ‘تهمة’ الطموح الرئاسي ظلت تطاردهما عندما كانا في منصبيهما، وحاولا مرارا إخفاء هذا الطموح لعدم إغضاب ‘صاحب الفخامة’، لذا كانا يكرران أنهما لن يترشحا ما دام بوتفليقة مرشحا، لكن الآن مع تأكد عدم ترشح الرئيس الحالي لولاية جديدة، بالنظر إلى وضعه الصحي، وتزايد فضائح الفساد، يبقى التساؤل قائما بشأن بلخادم وأويحيى، خاصة وأنهما من دون حزبين الآن، ولكن هناك من يتوقع لهما دورا في الانتخابات القادمة.
وبعدهما هناك مجموعة من رؤساء الأحزاب الصغيرة والمتوسطة الحجم، والذين يتوقع أن يترشحوا مرة أخرى من أجل زيادة عدد المرشحين، وحتى وإن كانت حظوظهم في الفوز شبه معدومة، إلا أنهم لن يفوتوا فرصة إضافة عبارة ‘مرشح للانتخابات الرئاسية’ إلى سيرهم الذاتية ومسارهم السياسي، وبين هؤلاء يمكن أن نذكر لويزة حنون رئيسة حزب العمال (تروتسكي) وموسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية.
وهناك من يرشح أيضا كلا من عبد المالك سلال رئيس الوزراء الحالي للترشح أيضا في الانتخابات الرئاسية القادمة، فهو ابن النظام بامتياز، كما أن لغته البسيطة التي يتعامل بها في خطبه وحتى خلال زياراته الميدانية، والدور الذي يؤديه منذ توليه قيادة الفريق الحكومي، ومنذ مرض الرئيس بوتفليقة، جعله يظهر في صورة الشخص ‘المحبوب’ شعبيا، ولكن هناك من يرى أن سلال ليست له ‘المؤهلات’ الكافية لتولي منصب الرئاسة وفي الأخير يعتبر علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق والذي سبق له دخول معركة انتخابات 2004، المرشح الأبرز والأوفر حظا في الظفر بمنصب الرئيس، حتى وإن كان هذا الأخير لم يكشف عن نواياه بعد، لكن كل المعطيات ترشحه للعب الدور الرئيسي في الانتخابات القادمة.


ويمثل بن فليس بالنسبة للكثيرين ‘القطيعة’ مع حكم بوتفليقة، حتى وإن كان قد قضى 33 شهرا إلى جانبه كرئيس حكومة، لكن أنصاره (بن فليس) يحسبون له أنه استقال من ذلك المنصب، مثلما سبق وأن استقال في بداية تسعينيات القرن الماضي من منصب وزير العدل، احتجاجا على فتح المحتشدات الأمنية في الصحراء للإسلاميين، كما أن بن فليس لم يتورط في قضايا فساد، وليس معروفا عنه أي نشاط تجاري مثلما هو الأمر بالنسبة لمسؤولين آخرين متهمين عن حق أو باطل بأنهم وراء الشركة الفلانية أو الامبراطورية المالية العلانية، وكذلك الأمر بالنسبة لأولاده الذين لم يظهروا إلى العلن خلافا لأبناء مسؤولين آخرين، المعروف عنهم التورط في فضائح فساد وحتى الإتجار بالمخدرات، فضلا عن أنه شخصية يمكن أن تقبل بها المعارضة، علما وأن الكثير من المعارضين والمحسوبين على المعارضة وقفوا إلى جانبه في الانتخابات الرئاسية