تقارب رواية "شامة أو شتريت" لإبراهيم حريري الصادرة مؤخرا عن منشورات "افريقيا الشرق" قضية شائكة وحساسة تتمثل في مدى تأثير العوامل الدعائية والإيديولوجية والدينية المحافظة والمغلقة في تأجيج التعصب والعنف والحقد وإطالة أمد الصراعات الإقليمية خدمة لأهداف ومصالح ضيقة لأقلية سياسية متنفذة.

 

ومن أجل بناء عالمه الروائي دلاليا، يحاول حريري من خلال نفس سردي تقليدي توظيف بعض التقنيات الحديثة كالاسترجاع والربورتاج الصحفي والتنويع اللغوي والحواري الذي يعكس تعدد المواقف والمواقع إلى التاريخ للحفر في جذور هذا الصراع من خلال قصة أسرة مغربية يهودية مكونة من مصطفى الشريف بوكبة وزوجته اليهودية شامة (أوشتريت) وفاطمة ويوسف الذين كانوا يعيشون في المغرب في أمن وأمان قبل أن تنقلب حياتهم رأسا على عقب بعد الحروب الإسرائيلية العربية وخصوصا حرب 67 حيث ستقرر الأم اليهودية شامة التي تحول اسمها بعد ذلك إلى أوشتريت الهجرة إلى إسرائيل عبر مارسيليا رفقة طفلتها فاطمة التي لم يكن عمرها يتجاوز حينها ستة أشهر وذلك تحت تأثير الدعاية الصهيونية، تاركة ابنها يوسف في كنف أب عاشق مصدوم من ألم الغياب.

 

وتمر السنون وتكبر الفتاة فاطمة وقد تحول اسمها هي أيضا إلى "إيما" بعيدة عن أسرتها في المغرب٬ حيث سيصير شقيقها يوسف محاميا مرموقا يعيش رفقة عمته خديجة التي آوته منذ سن الرابعة بعد أن اختفى الأب عن الأنظار في فرنسا جراء الصدمة التي عاشها إثر هجران زوجته له٬ وستصبح الطفلة فاطمة/إيما طبيبة أطفال تعيش في تل أبيب رفقة أمها أوشتريت التي أصبحت تملك محلا لبيع المجوهرات.

 

وعاش الطرفان تجربة الشتات دون أن يعرفا حقيقة انتماءاتهما حيث يعتقد يوسف أن عمته هي أمه الحقيقية وأن أباه تخلى عنه دون أن يعرف هوية له٬ في حين تعيش فاطمة/إيما في تل أبيب منتمية لحزب العمل الاسرائيلي دون أن تعلم حقيقة أخيها يوسف الذي يقطن في المغرب منخرطا في إطار حزب اشتراكي مغربي، مناهضا لإسرائيل المؤسسة على أساس إيديولوجي وعقدي٬ وللامبريالية "عدوة الشعوب".

 

في مؤتمر الأممية الاشتراكية للشباب المنعقد بمدينة فرنسية٬ ستلتقي الصحافية الفرنسية صوفيا اليهودية الديانة المغربية الأصل٬ والتي كانت بصدد التحقيق في موضوع هجرة اليهود المغاربة سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي٬ صدفة بكل من يوسف (بوكبة) وإيما (بوكبات) حيث ستلاحظ من خلال اسميهما المكتوبين على صدريتيهما على هامش جلسات المؤتمر٬ التشابه الكبير في اسميهما وملامحهما٬ مما سيدفعها بعد استطلاعات ولقاءات معهما إلى الاستنتاج أنهما الشقيقين المغربيين اللذين شتتهما السياسة والإديولوجيا، دون أن يتعرف أحدهما عن الآخر.

 

ولإثبات هذه الحقيقة ستتبع صوفيا خيوط القصة من تل أبيب إلى المغرب مرورا بفرنسا لتقصي المعطيات وإعادة بناء مسار هذه التجربة الإنسانية المثيرة. وبعد جهد وعنت واعترافات متبادلة من قبل مختلف أطراف الأسرة ستتقبل كل من إيما ويوسف تلك الحقيقة كونهما من أم واحدة شتريت/شامة سابقا٬ وأب واحد يسمى الشريف لم يظهر له أثر من وقتها ٬ وهي الأسرة التي سكنت لسنوات في منطقة الهجاجمة بالدار البيضاء وبعدها في المعاريف ٬ قبل أن تقرر بعد ذلك الأم الهرب بدعم من رجل مخابرات إسرائيلي في اتجاه تل أبيب.

 

ويحاول حريري من خلال هذه القصة٬ التي تتناول التأثير السلبي للحرب و"البروبوغاندا" في حياة الناس٬ رصد مسار التحولات السلبية للمجتمعات التقليدية نحو مزيد من العنف واللاتسامح تحت تأثير العنف والشحن الايديولوجي وانتشار قيم اللاتسامح والانغلاق٬ في نفس الوقت الذي تفتح فيه الرواية أفق وإمكانية التعايش ورأب الصدع وتجميع ما فرقته السياسة رغم الاختلاف الديني والثقافي٬ منتقدة تواصل الصراع جراء استمرار تحالف الساسة والعسكر والإيديولوجيا الدينية المتعصبة لدى الفكر الإسرائيلي الصهيوني والعقل الديني المتعصب مما يهدد السلام والاستقرار.

 

وتقول الرواية على لسان إيما "اسمع أخي يوسف إننا لم نختر حياتنا. لم نختر ديانتنا ولا حتى مواقفنا السياسية أيضا"٬ في نقد لاذع لما تقوم به الآلة التحريضية الإعلامية والسياسية من أجل استمرار الصراع.

 

وبحثا عن أفق تحيل عليه إيما من خلال طلب توجهه لأخيها "لماذا ننغص حياتنا٬ نعقدها. ثم أخي٬ تعال. إذا ما صدقت كلامك وكل هاته الأشياء التي تفرقنا٬ العادات٬ الدين٬ السياسة والجغرافيا أيضا. أعتقد أن بإرادتنا٬ إن كانت صادقة٬ باستطاعتها هزم كل المعيقات. بإرادتنا نستطيع أن نجسد سبيلا للعيش كأخوين. أخوين حقيقيين كما تقول".