أكد تاج الدين الحسيني٬ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط٬ أن محاولة تغيير طبيعة مهمة بعثة (المينورسو) وتوسيع اختصاصاتها لتشمل مجال حقوق الإنسان٬ هي عملية خطيرة قد تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.

 

وقال الحسيني٬ في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ إن مسألة توسيع مهام (المينورسو) وجعلها تشمل قضايا حقوق الإنسان٬ والتي طرحت عدة مرات في السابق٬ وتمسكت بها٬ بالخصوص٬ الجزائر و(البوليساريو) وبعض الدول التي كانت تدعمها٬ إلا أن مثل هذه المقترحات لم تصل إلى نهايتها على مستوى اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي٬ "ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار بالمناطق الجنوبية٬ وجعلها عرضة للمجموعات الإرهابية التي تنتقل بكل حرية في منطقة الساحل والصحراء".

 

وأضاف أن من شأن ذلك أن يعطي مبررات٬ غير مقبولة مبدئيا٬ للجزائر و(البوليساريو) لتحريك آلة جهنمية نحو مواجهات عسكرية مجددا في عين المكان٬ كما أن من شأنها أن تدفع بالأطراف المتفاوضة إلى مزيد من التصلب في مواقفها٬ وأن "الأطراف التي تعد هذه التوصية لا تدرك المخاطر الحقيقية لمثل هذا الوضع على المنطقة برمتها٬ وعلى مسألة الأمن والاستقرار ليس فقط في الصحراء ولكن حتى في منطقة المتوسط بأشملها".

 

وعلى مستوى القانون الدولي٬ أكد أن تطور ملف الصحراء٬ الذي أصبح في هذه السنة يأخذ أبعادا أخرى٬ يشكل نوعا من التناقضات٬ باعتبار أن مسألة إسناد مراقبة وقف إطلاق النار لبعثة (المينورسو) لم تتم مبدئيا بقرار من مجلس الأمن الدولي٬ ولكنها جاءت انطلاقا من اتفاق ثنائي وقع سنة 1991 بين المغرب و(البوليساريو)٬ وبالتالي٬ وفي إطار ضوابط القانون الدولي٬ فإن "ما تم إنجازه بتوافق إرادتين لا يمكن تغييره أو تعديله إلا بإرادتهما معا". كما أن المغرب٬ يضيف الأستاذ الحسيني٬ لم يستشر بهذا الخصوص٬ ولم يقدم أي اقتراحات فيما يتعلق بهذا الموضوع.

 

وذكر٬ في هذا الصدد٬ بأن الصلاحيات المسندة إلى مجلس الأمن الدولي في إطار هذا الموضوع تدخل ضمن مقتضيات الفصل السادس من الميثاق الأممي٬ الذي ينص على ما يمكن أن يتخذه المجلس فيما يتعلق ببعض القضايا التي يمكن أن تؤثر على السلم والأمن الدوليين دون أن تهدده أو تخل به.

وبهذا الخصوص٬ يوضح الحسيني٬ فإن دور مجلس الأمن الدولي٬ حسب مقتضيات المواد من 33 إلى 37٬ يتمثل في تقديم توصيات ذات طبيعة غير ملزمة٬ وبالتالي "فإن تقديم هذا المقترح حتى وإن وافق عليه مجلس الأمن لن يكون المغرب ملزما٬ بكيفية قسرية٬ بتنفيذه في ترابه الوطني".

 

وأضاف أنه "لو تم إقرار هذا التوجه من طرف مجلس الأمن الدولي وأسندت ل(المينورسو) هذه الصلاحيات الواسعة فيما يتعلق بمراقبة حقوق الإنسان٬ فإن ذلك سيتخذ مطية٬ ليس فقط من طرف ما يسمى ب(انفصاليي الداخل) ولكن حتى فيما يتعلق باستغلال الزيارات العائلية التي يمكن من خلالها أن ينفذ إلى الصحراء عناصر من مرتزقة (البوليساريو) هدفهم زعزعة الاستقرار الداخلي وتنفيذ مخططاتهم٬ وقد تتطور هذه الأحداث إلى أعمال شغب وعنف تصبح السلطات المغربية بمقتضاها مضطرة للتدخل".

 

وتابع قائلا "يمكن كذلك للمتطرفين والإرهابيين استغلال الفرصة للترويج لمواقفهم والدفاع عنها ولو بقوة السلاح٬ وآنذاك سترى البلدان الغربية أن ما كانت تطمح إليه٬ من تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة من العالم وتفادي اختطاف واحتجاز الرهائن٬ سيصبح في مهب الريح".

 

وعن مساهمة مثل هذه المقترحات والتوصيات في تقويض مسلسل التوصل إلى حل سياسي لنزاع الصحراء٬ أكد الأستاذ تاج الدين الحسيني أن مقترح توسيع مهام (المينورسو) "قد لا يمس بالمصالح العليا للمغرب بشكل واضح٬ ولكنه سيؤثر حتما على مسار المفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية".

 

وقال٬ في هذا السياق٬ "نحن في وضعية أصبح فيها المغرب يتمتع بدعم دولي واضح لمقترحه الخاص بالحكم الذاتي٬ وقد تم تكريس هذا الدعم٬ بالخصوص٬ بعد الأحداث التي عرفتها مالي والوضع غير المستقر في جنوب الساحل والصحراء"٬ مضيفا أن "هذه الأوضاع انعكست٬ بقوة٬ على مسألة الاستقرار والأمن ودفعت بكل الفاعلين إلى التأكيد على ضرورة البحث عن حل عاجل لنزاع الصحراء٬ على اعتبار أن هناك ربطا جدليا بين ما يجري في الصحراء وما يجري في منطقة الساحل وجنوب الصحراء٬ وبالتالي فإن استعجالية هذا الحل تضع المقترح المغربي في الصدارة".

 

وبخصوص الجهود التي يقوم بها المغرب في مجال النهوض بحقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبية٬ أكد الأستاذ تاج الدين الحسيني أنه إذا كان هناك من بلد٬ سواء بمنطقة شمال إفريقيا أو بالعالم العربي أو بمجموع القارة الإفريقية٬ يمكن أن يقدم للعالم كنموذج حقيقي للتطور الديمقراطي السلمي وللتنمية المستدامة ولحماية حقوق الإنسان٬ خاصة بعد الأحداث الجسام التي عرفتها المنطقة بمناسبة "الربيع العربي"٬ فإنه حتما المغرب٬ الذي استطاع أن يخرج من هذه المرحلة الصعبة بسلام٬ وأن يضع دستورا جديدا٬ مبرزا أن هذا التطور السياسي والقانوني المشهود جاء مرتبطا بحماية فريدة من نوعها لحقوق الإنسان.

 

وذكر٬ في هذا الصدد٬ بأن (المجلس الوطني لحقوق الإنسان) الذي حل محل (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) أصبحت لديه صلاحيات تقريرية واسعة٬ وبأن مجلس الأمن الدولي أشاد بفتحه فروعا له بكل من مدن العيون والداخلة وطانطان٬ مشيدا بهذه الآليات المستحدثة والتطور المهم في الحياة السياسية المغربية في مدة وجيزة.

 

واعتبر الحسيني أنه كان من الممكن أن يتم فتح نقاش وحوار مع شركاء المغرب الأقربين حول ماهية الآليات الأخرى التي يمكن٬ بمقتضاها٬ استكمال الترسانة الخاصة بحماية وضمان حقوق الإنسان٬ ووضع كل الضمانات الكفيلة بحماية هذه الحقوق٬ خاصة وأن المغرب ظل دائما متفتحا في هذا المجال٬ حيث اقترح منذ ثلاث سنوات استقبال المقررين الأمميين في كل المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان.

 

وأعرب عن الأمل في أن يتم تغليب جانب الحكمة والوعي بحقيقة دور القانون في المجتمع الدولي٬ الذي ينبغي٬ ولو أنه يكون أحيانا مطبوعا بالصرامة٬ أن يكون منصفا وعادلا ومستشرفا لتحديات المستقبل٬ معتبرا أنه "عندما نضع صيغة معينة في توصية لمجلس الأمن بخصوص إسناد مهمة معينة إلى جهة ما٬ فعلى الجميع أن يحتسب ما هي المضاعفات الخطيرة والسلبية التي قد تحدثها تلك التوصية على مصير المنطقة".

 

وتساءل الحسيني٬ في الختام٬ "عما إذا كان إنشاء دولة مستقلة في جنوب المغرب من شأنه أن يصلح شيئا في القارة الإفريقية٬ "لقد علمتنا تجارب الماضي وما يجري قريبا منا في المناطق المجاورة أن ما يسمى بالدويلات المجهرية الصغيرة التي لا تتوفر على وسائل الدفاع عن مقدراتها وإمكانياتها هي بالأساس التي تقع ضحية الإرهابيين وضحية عدم الاستقرار وخلخلة التوازن الإقليمي".