أنقذ جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مبادرة نقل السلطة من صالح إلى نائبه عبده ربه منصور هادي من فشل محقّـق.

 

واستطاع بن عمر بجولاته المكوكية بين مختلف الفرقاء، أن يسجِّـل خطوة مهمّـة في اتجاه نقل السلطة، بإصداره قانون الحصانة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، المُـنتهية ولايته، وتزكِـية نائبه مرشحاً توافقياً للانتخابات الرئاسية للمرحلة الانتقالية.
 
إلا أن هذه الخطوة، رغم إخراجها صالح من البلاد، غير أنها لا تُـمثل نهاية للمعوِّقات والمُـعضلات التي تقِـف في طريق نقل السلطة في اليمن. فهناك أطراف وازنة ترفُـض التسوية السياسية، والمتشددون الإسلاميون يبسطون سيْـطرتهم على عدد من المُـدن، ما قد يُـعيق إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في أجواء مشجّـعة.

 

مغادرة صالح.. ولكن!

فبعد مغادرة صالح للبلاد إلى واشنطن، بغرض العلاج، ظهر أنصاره ليؤكِّـدوا عودته للحياة السياسية، في الوقت الذي يبقى عدد من أبنائه وأبناء أخيه وأقربائه يشغلون بعض المواقِـع الأمنية والعسكرية، ما أدّى إلى توقّـع الشارع اليمني أن يظل تأثيرهم قويا في الحياة السياسية اليمنية.
 
عبدالغني الأرياني، المحلِّـل السياسي ورئيس تيار الوعْـي المدني وحكم القانون في ردِّه على سؤال لـ
swissinfo.ch  حول حجْـم الدور الذي يمكن أن يلعبه مستقبلاً أبناء وأقارب الرئيس صالح وأنصاره القبليون، سواء في قبيلته "سنحان" أو من قبيلة "حاشد"، التي تصدَّرت المشهد السياسي خلال الثلاثة عقود الماضية يقول: "بالنسبة لصالح وأبنائه، واضح أن السُّـلطة خرجت من أيديهم، والمسألة فقط مسألة وقت حتى يخرج أولاده وتنتهي أدوارهم في الحياة السياسية اليمنية".
 
أما فيما يخُـص قبيلته "سنحان"، فهي قبيلة صغيرة جداً استفادت من سيْـطرتها على الوظائف الهامة في الحكومة ومن احتِـكارها لمراكز القوة طيلة فترة حُـكم صالح، الممتدة لأزيد من ثلاثة عقود، وخروجها لن يكون سريعاً، إنما سيكون تدريجياً، وخلال المرحلة المُـقبلة سيضعف دورها في الحياة السياسية.
 
أما قبيلة "حاشد" كما يسترسل الأرياني، فهي قبيلة كبيرة وسيظل وجودها مستمرا، لكن هذه الثورة، كما يوضِّـح رئيس تيار الوعي المدني: أحدثت تغييرا اجتماعيا كبيرا هَـز عُـمق المجتمع اليمني، وستترتَّـب عليه متغيِّـرات سياسية هامة، من أهَـم معالمها، انتقال مركز السلطة من الأطراف القبلية في شمال الشمال إلى مركز الثقل الديموغرافي في اليمن الأوسط، الذي يمتدّ من جنوب مقاطعة ذمار إلى عدن وأبين، إذ سيتحرّك مركز الارتكاز السياسي، ليتطابَـق مع  مركز التمركز الديموغرافي، كنتيجة لتبدل شروط وقواعد اللعبة السياسية، التي ستكون كما يرى، مختلفة بعد الثورة عمّـا كانت عليه قبلها.

 

الإنتخابات..خطوة منتظرة

إجراء انتخابات الرئيس الجديد للفترة الانتقالية المقرَّرة في 21 من فبراير، الخطوة المنتظرة لاستكمال نقل السلطة، وِفقا للمقدِّمات الأولية، رغم اجتياز مُـعضلة قبول ترشيح هادي، إلا أن رفض شباب الثورة المستقلين للتسوية السياسية، ومعهم الحِـراك في الجنوب والحوثيون في محافظة صعدة، ربما تُـعيق إجراء الانتخابات، خاصة إذا لم تبادِر حكومة الوِفاق إلى توجيه رسائل مشجّـعة لجذب تلك الأطراف للتسوية السياسية.
 
فشباب الثورة لا يبدون أيّ تحمُّـس للمشاركة في الانتخابات، والحكومة لم تبادِر بعدُ إلى اتخاذ خطوات مشجِّـعة لهم، تبدي فيها تجاوباً مع مطالبهم، وكل ما يشغلها حالياً حل الإشكالات الخِـلافية المُـزمنة بين اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي، متجاهِـلة المطالب الشبابية، كما قال الناشط الشبابي حسين السهيلي: "إن أحزاب اللقاء المشترك، التي شاركت في الحكومة، تتعامل مع شباب الثورة بالأساليب والمقاربات الأمنية التي كان الرئيس المخلوع يتعامل بها، وهي تمثِّـل استفزازات صارخة للمحتجِّـين.
 
 وأوضح ذلك قائلا: "الأحزاب المشاركة في الحُـكم، كل ما فعلته، أنها تتفنّـن في استخدام المقاربة الأمنية ضد المحتجين، إذ تقوم بإبراز شبيبتهم الحزبية وتُـقدِّمهم كمستقلين مرشّـحين للتحاور مع الحكومة، ما يعني أن تعاطيها مع الشأن السياسي، ما زال يُـدار بالوسائل والمنهجيات التي اتَّـبعها النظام نفسه، وأن النخبة الطاعنة في السِـن لم تستوعِـب بعدُ متطلبات التغيير الذي أنتجته الثورة، وكل ذلك حسب السهيلي، لم يعمل إلا على إصرار الشباب على استمرار بقائهم في الساحات، حتى تحقيق أهداف ثورتهم، ويرفضون المشاركة في انتخابات، نتائجها محدّدة سلفاً".

 

عوائق بالجُـملة

العائق الآخر، الذي قد يعترِض إجراء الانتخابات، هم الحراكيون في الجنوب، المطالبين بالانفِـصال. فقد لَـوَّحوا بمقاطعة الانتخابات وقاموا بطرد بعض أعضاء اللجان الانتخابية. وكذلك حال الحوثيين في شمال الشمال، فهم يرفضون التسوية ولا يبدو أنهم سيُـشاركون في الانتخابات، ما يعني أن المقاطعة لن تقتصِـر فقط على أطراف سياسية فحسب، وإنما ستحمل أبعادا جهوية وجغرافية، ما قد يقلِّـل من الإجماع  الوطني على شرعية المرشّـح التوافُـقي، التي يحتاج إليها في الظرفية الراهنة، بعد أن قوّضت الثورة الشعبية شرعية النظام السياسي.
 
عائق عودة القاعدة إلى الواجهة وسيْـطرتها على عدد من المدن اليمنية في الفترة الأخيرة، التي قد تعيق إجراء الانتخابات، علّـق الخبير في قضايا الإرهاب عايش عواس عليها بالقول: "عودة تنظيم القاعدة تحت مسمى أنصار الشريعة، يرى أنها "ناتجة عن ضغوط يتعرّض لها في السعودية والعراق وأفغانستان، دفعت بكثير من أعضائه في اتجاه الأراضي اليمنية والتمركز في بعض مناطقها. ويتأكد ذلك من خلال ظهور أعداد كبيرة من الأجانب، بينهم من بلدان عربية وأسيوية وإفريقية وأوروبية".

 

"القاعدة.. مجرّد تظاهر بالقوّة.."

وعزا عواس ذلك، إلى تدهْـور الأوضاع الأمنية في البلاد جرّاء الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية، وما أدّت إليه من انقسام طالت المؤسسة العسكرية والأمنية والقبلية، وفراغ مكّـنها من تمديد نفوذها.  
 
لكن، ودائما حسب عواس، ظهور القاعدة في أكثر من منطقة وفي وقت واحد بعد تلقيها لضربات موجِعة، لا يعدو أنه (التنظيم)، سوى مجرّد تظاهر بالقوة لجماعة منهَـكة أصلاً تُـحاول التذكير بحضورٍ باهِـت، لا يتعدّى السيطرة على مناطق ومساحات محصورة، كما هو حالها في رداع، التي أعلنوا منها تشكيل إمارة إسلامية، فيما انتشارهم لا يتجاوز حيا من أحياء المدينة، ولذلك، فهي لن تكون عائقاً أمام إجراء الانتخابات،
 
وقا موضحاً ذلك: "هناك فرق ما بين التطلّـع والأمر الواقع وما جاء مؤخراً على لسان زعيمها أبو القاسم الريمي، عندما أكد أنهم يتطلّـعون إلى دولة إسلامية، مثل طالبان في أفغانستان وشباب المجاهدين في الصومال، وهي تطلُّـعات في غير محلِّـها، بالنسبة لليمن، لأن تلك الجماعات تجِـد قوّتها في العُـمق الاجتماعي، الذي تنتمي إليه، كالبشتون في أفغانستان وقبائل الجنوب في الصومال. أما في اليمن، لا يتوفَّـر لهم ذلك الدّعم الاجتماعي ويصطدِمون برفض السكان المحليِّـين وحساسيتهم من الوافدين الأجانب".

 

خطوات تشوبها عثرات

وعمّا يتردّد من أن القاعدة ليست سوى ورَقة تُـحرِّكها أطراف في السلطة، ستزول بانتهاء الانقسام فيها، يعتقد عواس، أن ذلك الطرح ينطوي على التقليل من الوجود الفكري والمادّي والتنظيمي لهذه الجماعة، لكنه لا يستبعِـد أن التنافس بين الطرفيْـن المنقسميْـن في السلطة، عمل إلى حدٍّ ما على تردّدهما في التصدّي لهذه الجماعة، من أجل الاستفادة منها في إضعاف خصمه وإنهاكه، وأن ذلك ظهر بوضوح بالتَّـساهل في التصدّي لها عند سيْـطرتها على مدن زنجبار ولودر ورداع وشبوة.
 
من الواضح أن جهود نقل السلطة في اليمن، كلما أحرزت خطوات متقدِّمة نحو إنجاز هذه العملية، لاحت عثرات تُـعيقها. وقد تؤثِّـر على استعادة الشرعية المَـهزوزة بالثورة الشعبية، ما لم تُـبادر الحكومة الانتقالية إلى القيام بخُـطوات الانفتاح على جميع الأطراف، السياسية والشعبية.