يشكل الموقف الأمريكي بتوسيع صلاحيات قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية مفاجأة حقيقية لجزء كبير من الرأي العام المغربي بحكم أن الفكرة السائدة هي اعتبار واشنطن حليفا قويا للمغرب في نزاع الصحراء. ولكن العارفين بالموقف الأمريكي لا يرون الموقف الجديد بعين الدهشة إذ سبق للولايات المتحدة أن كادت أن تفرض على المغرب مشروع جيمس بيكر سنة 2003، وتاريخيا أيدت تقرير المصير.

 

وتقدمت الولايات المتحدة رسميا بمسودة توسيع صلاحيات  المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية وهو القرار الذي سيتم مناقشته والتصويت عليه الأسبوع المقبل. ويعيش المغرب السياسي والدبلوماسي حالة استنفار حقيقية جراء الموقف الأمريكي، ولا يدري كيف يشرح المسؤولون المغاربة للرأي العام المغربي الموقف الأمريكي في وقت قدم فيه المغرب خدمات أمنية وعسكرية وسياسية للبيت الأبيض وأشادوا في مناسبات عديدة بما وصوفه "العلاقات الثنائية الممتازة".

 

واشنطن تاريخيا مع تقرير المصير

وهذا الموقف لا يعتبر الأول من نوعه، فقد سبق للولايات المتحدة في مناسبات متعددة أن أعربت عن مواقف أقلقت المغرب. فخلال اندلاع النزاع وتولي الديمقراطي جيمي كارتر رئاسة الولايات المتحدة، رفض الاعتراف بمغربية الصحراء، وشدد على تقرير المصير في الصحراء. ورغم مساعدته العسكرية والسياسية القوية للمغرب، فالرئيس الذي خلفه، الجمهوري رونالد ريغان رفض بدوره الاعتراف بمغربية الصحراء.

 

وتبنى البيت الأبيض إبان رئاستي الجمهوري جورج بوش الأب ثم الديمقراطي بيل كلينتون موقفا داعما للأمم المتحدة والمتمثل في مسلسل التسوية، لكن استمرار النزاع جعل البيت الأبيض يغير من مواقفه مع وصول جورج بوش الإبن الى الرئاسة فخلال يوم 31 يوليوز من سنة 2003، كادت الولايات المتحدة أن تفرض في مجلس الأمن مشروع جيمس بيكر المتمثل في الحكم الذاتي لأربع سنوات ثم الانتقال الى تقرير المصير، وبعد مفاوضات شاقة تدخلت اسبانيا التي كان في رئاسة حكومتها خوسي ماريا أثنار وأقنعت واشنطن بتفادي فرض مشروع جيمس بيكر على المغرب. وكان القرار 1415 الذي مدد لقوات المينورسو حتى أكتوبر 2003 ولكنه دعم بشكل مطلق مشروع جيمس بيكر دون فرضه.

 

 طيلة شهر غشت من سنة 2003، أعربت الرباط عن قلقها واستغرابها مما وصفته أوساط دبلوماسية مغربية بخذلان واشنطن للمغرب في نزاع الصحراء، بينما شنت الصحافة المغربية هجمة ضد الولايات المتحدة وتاريخيا، مالت واشنطن الى تقرير المصير، وفي مناسبات قليلة اشادت بمقترح المغرب القاضي بمنح الصحراويين الحكم الذاتي، لكن الأمر لم يتعدى تصريجات دبلوماسية دون تبنيه. وخلال القمة المغربية-الأمريكية، التي جرت في واشنطن خلال سبتمبر الماضي تم الترحيب بالمقترح دون تبنيه.

 

عقدة المبعوث الأمريكي

لعل من نقاط ضعف المغرب في ملف الصحراء هو تولي دبلوماسيين أمريكيين منصب المبعوث الخاص للأمين العام في نزاع الصحراء، ثم وجود تيار قوي في الإدارة الأمريكية يطالب باحترام مبدأ تقرير المصير لاسيما وأن المغرب في أيام الملك الراحل كان يقبل بهذا المبدأ في هذا الصدد، تولى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم ووزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء ما بين 1997 الى 2004، وتقدم بمقترح يحمل اسمه وينص على الحكم الذاتي في الصحراء لمدة تتراوح ما بين أربع وخمس سنوات ثم الانتقال الى تقرير المصير للاختيار بين الاندماج في المغرب أو الحكم الذاتي أو الانفصال. لكن جيمس بيكر اضطر في آخر المطاف الى تقديم استقالته في شهر يونيو 2004 والانسحاب، وحمّل بطريقة أو أخرى المسؤولية للمغرب، وصرح قائلا "طالما المغرب يشعر بنفسه قويا في الصحراء، ويفرض الأمر الواقع، فمن الصعب الوصول الى الحل".

 

وسيطر نوع من القلق على الخارجية الأمريكية بسبب الظروف التي دفعت بيكر الى الاستقالة، وكان السفير الأمريكي في مجلس الأمن جون بولتون الذي عمل الى جانب بيكر في الصحراء متطرفا في موقفه ورغب  في فرض تقرير المصير، واصطدم في الكثير من المناسبات مع مستشار الأمن القومي ما بين سنتي 2005-2006 إليوت أبراهام الذي رفض تقرير المصير مؤقتا لأنه قد يهدد استقرار المغرب، وكان يوافقه البنتاغون في هذا الموقف.

 

وغداة وصول باراك أوباما الى رئاسة البيت الأبيض، بعث الأمريكيون الى المغرب خطابا واضحا يتجلى في "ضرورة اتخاذ خطوات واقعية وعلى رأسها تفادي خروقات حقوق الإنسان"، وساعد على تجميد الموقف الأمريكي وجود هيلاري كلينتون على رأس الخارجية الأمريكية وهي أكبر مدافع عن مصالح المغرب. وارتكب المغرب خطئا استراتيجيا بعدما رفض المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، رفض جرى التراجع عنه ولكنه تزامن ووصول جون كيري الى الخارجية الأمريكية وهو المؤيد لتقرير المصير.