تأتِي زيارة الدولة، التِي قامَ بهَا الرئيسُ الفرنسي، فرانسوَا هولاندْ إلَى المغرب في الثالث والرابع من أبريل الجَارِي، بعد أشهرٍ قليلة من زيارته للجزائر. الزيارةُ الأولى لهولاند كانت قبل إطلاق الهجمة الفرنسيَّة علَى مالِي، فيمَا تأتِي الثانية إلَى المغرب، بمثابةِ إعلانٍ عن وضعهَا الأوزار، وذلكَ من خلالِ الإشادة بالدور الذِي اضطلع به المغرب في الكواليس، وسماحه باستخدامِ الطائرات الفرنسية لأجوائه، فضلاً عن وضع شبكاته الديبلوماسيَّة والعسكريَّة رهنَ إشارة السلطات الفرنسيَّة.

 

في الواقع، يواجهُ المغربُ عبرَ هاته الأزمة، وضعهُ كحليف تقليدي لفرنسا في الجهة المغاربيَّة، في الوقتِ الذِي يقومُ فيه بتغذيَة طموحهِ الجيوسياسي والجيو اقتصادي الرَّامِي إلى التوسع، عبر التحول إلى رأس جسر بين أوربا وإفريقيا السوداء، والحظوةِ بِـالدعم الاقتصادِي والمالِي للملكيات الخليجيَّة.

وتنهضُ ديبلوماسية التأثير هذه علَى روابط تعود إلى فترة طويلةً، حين نشأت بين الملك الراحل الحسن الثَّانِي وزعماء بعض المناطق في الساحل وغرب إفريقيَا، بحيث لم يتوقف المغرب منذُ مغادرته لمنظمة الاتحاد الإفريقِي (التِي عوضت فِي عامِ 2002 بالاتحاد الإفريقي)، احتجاجاً على تعاطِي المنظمةِ مع وضعية جبهة البوليساريُو،. (لم يتوقف) عن نسجِ روابط اقتصادية مع البلدان الواقعة جنوب الصحراء.

 

وقد تعززَ التوجهُ المغربي نحوَ إفريقيَا أكثرَ معَ اعتلاء الملك محمد السادس العرشَ سنة 1999، وفقَ ما وردَ في مقالٍ للأستاذة بُشرَى بنحيدة، في صحيفة "هوفينغتون بوست"ّ، وذلكَ عبر ديبلوماسيَّة نشيطة يممت شطر الجنوب. إذ قررَ الملكُ المغربيُّ على سبيل المقال، عامَ 2000، خلالَ قمة "أوربَا إفريقيَا" شطبَ ديونِ البلدان الإفريقيَّة الأقل تقدماً، التِي تقررَ إعفاءُ مُنْتَجَاتُهَا بشكلٍ كامل من الرسوم الجمركيَّة، لدَى دخولهَا المغرب.

 

المبادرة الرسميَّة للمغرب، جاءتْ بالموازاةِ معَ تعزيز شركات مغربيَّة كبرى لحضورها، في الدول الإفريقيَّة، كشركات التأمين والمجموعات الفلاحية الغذائيَّة والمعدنيَّة، وهوَ حضورٌ لقيَ تثميناً بتلكَ البلدان، بعدَ عملهِ على تعزيزِ الشراكة جنوب جنوب، الأكثر توازناً، مقارنة بالعلاقات غير المتكافئة لتلكَ الدول مع جنوب إفريقيَا، أو مع شركاتِ الماردِ الصينِي بيدَ أنَّ هذَا التوجه المغربي نحو تمتين العلاقاتِ مع الدول الإفريقي، لم يُغطِّ العلاقات المتميزة للمغرب مع الاتحاد الأوربي، الذِي بوأ المغرب في شهر أكتوبر من عامِ 2008، مكانةَ أولِ شريكٍ متقدم من دول جنوبِ المتوسط.

 

وفِي إطَار هذه العلاقات الأورو مغربية استطاعَ المغرب أن يقويَ شراكته الاستراتيجيّة مع فرنسا، والتقارب المتنامي أكثر فأكثر مع إسبانيا، معَ مبادلاتٍ تجاريَّة واستثمارات صناعيَّة متزايدة، كما هوَ بادٍ من خلال مشروع "رونو" في طنجة، والاستثمَار في البنية التحتية (ميناء طنجة المتوسطي، والقطار فائق السرعة)، وكذَا في مجال الطاقة المتجددة لأجل تقليص اعتماد المغرب على الطاقات الأحفوريَّة، التِي تؤَثِّرُ على الميزان التجارِي.

 

واستناداً إلى ما ذكرَ انفا، فإنَّ ديبلوماسية التأثير التِي ينهجهَا المغرب، ترمِي فِي المقامِ الأول إلَى إحداث إقلاع على مستوَى التوسع الصناعي والتجاري للبلد، مع تعزيز مكتسباته في القطاع الأولي (الفلاحة والفوسفاط). وكلفة عمله الضعيفة نسبياً، فِي أفقِ تنميَة قطاع صناعي يضمن مئات الآلاف من فرص الشغل للشباب خلالَ السنوات القادمة. علاوةً على مخطط "Emergence"، عامَ 2005، الذِي تمَّ تحيينه فِي 2009، وهوَ برنامج يهدفُ إلَى جلب المستثمرين الأجانب وخلق فرص الشغل، وضمان تحويل التكنلوجيات والكفاءاتِ في القطاعات الصناعية الستة (السيارات والكهرباء وصناعة الطيران والصيدلة وإعادة التوطين والنسيج والصناعات الغذائية الزراعية).

 

وبالرغم من توسع طبقة متوسطة بالمدن المغربيَّة لا ينبَغِي إغفال حقيقة مؤداهَا أنَّ العالمَ القروي بالمغرب لا يزالُ شاسعاً، بما يعانيه من نقص في الموارد البشريَّة والاختلالات السُّوسيُو الاقتصاديَّة والترابية المهمة، يستدعِي تصحيحهَا مجهودات تدعم لفترة من الزمن كما أنَّ المغرب يظلُّ في حاجةٍ إلى دمقرطة التعليم، وتأمين التغطية الاجتماعية، وتقليص التفاوتات، إن هوَ أراد المضيَّ قدماً في الإقلاع. لأنهُ بمنأى عن الخلافات الإيديلوجيَّة والتباين في المقاربات، يعِي صناعُ القرار في المغرب أنهُ لن يحكمَ عليهم فقط انطلاقاً مما جلبوه من مستثمرين أجانب، وإنما استناداً إلى قدرتهم على الإجابة على التحديات الاجتماعية الحاسمة. لأنَّ في هذه الأخيرة يكمنُ الاستثناء المغرب، الذِي ضمن انتقالاً سلساً في الوقتِ الذِي شهدت فيه دولُ المنطقة اضطرابات عنيفة، انقلبت فيها الأوضاعُ رأساً على عقب.