أوضح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في خطابه الذي ألقاه بالبرلمان، بأنه متتبع جيد لما يجري داخل المغرب، فالخطاب كان واضحا وقريبا من توقعات السلطات المغربية، لدرجة تحس معها أن الرئيس الفرنسي يفند كل التحليلات التي كانت تتوقع تراجعا شبيها بفترة صعود "فرانسو ميتران" التي شهدت في بدايتها توثرا في العلاقات المغربية الفرنسية فالرئيس الحالي لفرنسا استعمل لغة تاريخية وسياسية تحمل إعلانات كبرى تتمثل في ثلاثة محاور رئيسة: اعتذار تاريخي للمغاربة، ثقة في الحاضر السياسي المغربي، ودعوة للتوجه إلى المستقبل.

 

ولمزيد من التحليل لأهم الرسائل التي قدمها خطاب الرئيس الفرنسي، اعتبر منار اسليمي، المحلل السياسي، أن خطاب الرئيس الفرنسي قدم مجموعة من الرسائل الموجهة الى المغرب بمكوناته الحكومية، والبرلمانية، والمجتمعية والثقافية، ورسائل الى المنظمات الحقوقية الدولية ودول الجوار.

 

اعتذار للمغاربة.. وحفظ لذاكرة المحاربين المغاربة

لماذا اختار الرئيس الفرنسي لغة تاريخية وسياسية في نفس الآن؟ في جواب على هذا السؤال ذهب اسليمي إلى أن "عودة الرئيس الفرنسي إلى لغة التاريخ ليعتذر ضمنيا عن سنوات الاستعمار ومس الفرنسيين بحريات وحقوق المغاربة" وهنا يطرح سؤال آخر: ما الفرق بين اعتذار فرنسا للجزائر واعتذارها أيضا للمغرب عن الفترة الاستعمارية؟ يجيب اسليمي أن الاعتذار للمغاربة يختلف عن الاعتذار للجزائر، لأن الخطاب أشاد بالملك "محمد الخامس"، وفيه إحالات ضمنية على مقومات الأمة المغربية ووجود روابط قوية جامعة، إضافة إلى حفظه لذاكرة المحاربين المغاربة المدافعين عن فرنسا في الحرب العالمية الثانية، والذي لوحظ أن فرنسا "ساركوزي" كانت قد بدأت تخرجهم تدريجيا من التاريخ الفرنسي، فالرئيس الفرنسي في خطابه أمام البرلمان، يضيف اسليمي، "أعاد المحاربين المغاربة الى التاريخ الفرنسي وجعلهم ذاكرة مشتركة بين الأمة الفرنسية والأمة المغربية".

 

فرنسا ليست قلقة من وصول العدالة والتنمية للحكومة

وأشار اسليمي في اتصال مع هسبريس إلى أن خطاب الرئيس الفرنسي حمل إشارات ورسائل موجهة إلى المنظمات الحقوقية الدولية (هيومن رايتش ووتش ومراسلون بلاحدود) لما أشار الى تطور الحقوق والحريات في المغرب، وإلى أن "تكريسها مسلسل يحتاج الى وقت"، واختار الرئيس الفرنسي توجيه رسائل حول الطريقة التي دبر بها المغرب الربيع العربي محيلا على ان الربيع حامل لفرص وفي نفس حامل لمخاطر، ولاحظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن الرئيس الفرنسي بدا "ثابتا في تشخيصه للحالة المغربية التي اعتبرها مختلفة منذ وصوله الى السلطة". مع إشارة مثيرة للانتباه، حسب وصف المتحدث، تتمثل في توجه الرئيس الفرنسي مباشرة الى رئيس الحكومة "عبدالاله بنكيران" وتذكيره بسنوات المعارضة وبجوهر اللعبة الديمقراطية القائمة على التناوب، في دلالة إلى "قبول فرنسا للتعامل مع كل إفرازات الانتخابات المغربية وإجابة واضحة على كل المزاعم التي كانت تعتقد ان فرنسا قلقة على مصالحها مع وصول الإسلاميين الى الحكم في المغرب".

 

ليوطي في الماضي ...والجماعات المحلية اليوم

كما أن الخطاب أشار الى شخصية المقيم العام الفرنسي "ليوطي" على عهد الحماية، وشدد في الوقت ذاته على دور الجماعات المحلية ، الأمر الذي اعتبره أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، دلالة إلى التحول التاريخي للدولة بالمغرب من المركزية الى المحلية والجهوية ،فـ"ليوطي" وضع نواة التنظيم الإداري المركزي في المغرب، أو النمط اليعقوبي، وفي فترة الاستقلال ظل النموذج الفرنسي حاضرا في جميع التجارب المحلية (مجالس جماعية ومجالس إقليمية وجهوية ) ويبدو أن الرئيس الفرنسي، يضيف اسليمي، "يدعو الدولة المغربية الى استلهام النموذج المحلي الفرنسي، خاصة لما يذكر بالعلاقات القائمة بين الجماعات المحلية في البلدين، وهو تذكير يستشف منه ان فرنسا تستشعر المنافسة الموجودة اليوم في "براديغمات" التنظيم المحلي خاصة من النموذج الاسباني".

 

فرنسا داعمة لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء

على عكس الاعتقادات التي كانت تتوقع تحولا في موقف فرنسا من قضية الصحراء، فإن الرئيس الفرنسي جعل من تأييد المغرب أكبر نقطة جوهرية في خطابه، وذلك لما شدد على ثوابت فرنسا المتمثلة في الدعوة إلى استمرار المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي، الذي ترى فيه الحل الأمثل المطروح إلى حد اليوم أمام المنتظم الدولي، واعتبر اسليمي أن هذه النقطة بالذات، تمثل توجيه الخطاب مباشرة إلى الجزائر و يجيب على كل انتقادات البوليساريو ويوجه رسالة الى المبعوث الاممي "كريستوفر روس" وهو يستعد لتقديم تقريره أمام الأمم المتحدة ،هذا التصريح الواضح من شانه ان يوثر العلاقات من جديد مع الجزائر.

 

المغرب الدولة الأكثر فهما لمخاطر ما يجري في منطقة الساحل والصحراء

أما فيما يتعلق بما يجري في منطقة الساحل والصحراء، فقد أشار الرئيس الفرنسي بوضوح إلى أن "المغرب هو الدولة الأكثر فهما لمخاطر الأحداث التي تجري في شمال مالي" ، الشيء الذي معناه ان المغرب هو الدولة الأكثر استشعارا للمخاطر الإقليمية المحيطة بالمنطقة ،وبذلك، وهنا، يذهب اسليمي في تحليله إلى أن الرئيس الفرنسي "يوجه انتقادا واضحا للاجتماعات التي كانت تتم في "تمنراست" بالجزائر، والتي كانت الجزائر تصر فيها على إبعاد المغرب لعدم التصاقه جغرافيا بالمنطقة"، هدا التصريح، يضيف اسليمي، يفيد المغرب استراتيجيا بدخوله الى شمال مالي ضمن القوات الأممية، وهو ما يمكنه مستقبلا من مراقبة الوضع عن قرب أمام تزايد مخاطر انتشار السلاح ووجود أزيد من سبعين خلية تابعة للقاعدة وانتشار المخدرات القادمة من الخطوط الجديدة العابرة لشمال مالي".

 

اعتقد ان هذا الخطاب يبين ان فرنسا تتابع بدقة ما يجري في المغرب ،وان زيارة الرئيس "هولاند" سياسية بامتياز ،تهدف الى إعادة التوازن لتداعيات زيارة "فرنسوا هولاند" للجزائر ،وتهدف إلى إعادة إبراز المغرب من جديد كحليف تاريخي واستثنائي لفرنسا ،يقول اسليمي "فهو خطاب لا يبحث عن تطبيع العلاقة كما وقع مع الجزائر ،ولكنه خطاب يدعو الى تطوير وتثبيت العلاقة مع المغرب، ومن المتوقع جدا ان يوثر هذا الخطاب أجواء العلاقات الفرنسية الجزائرية من جديد ويقود الى حملة إعلامية جزائرية ضد فرنسا"، يورد المتحدث.

 

كما أن خطاب الرئيس الفرنسي، أشار أيضا إلى كون فرنسا مهددة في موقعها كممون أساسي للاقتصاد المغربي، في دلالة واضحة في خطابه إلى المنافسة التي باتت تحس بها دولته من طرف إسبانيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية ،وهي مسألة - يضيف اسليمي- يمكن الاشتغال عليها من طرف المغاربة أمام هذا التنوع في العروض التي بات واضحة أمامهم ،إضافة الى ان هذه الإشارة تحمل بعدا اقتصاديا استراتيجيا بأن السوق المغربية هي موضوع تنافس دولي .