أكبر إهانة يتلقاها المشهد الإعلامي والحقوقي في هذا البلد التعيس، تأتيه من ثنايا حبر قلم كان يحسب، وأتمنى أنه لا يزال، على جهته المشرقة والحداثية... 
تكتب فاطمة الإفريقي نقطة نهاية طريق لم تحسب حسابه قبل الدخول إليه، لكنها في استغلال كبير لسذاجة هؤلاء الذين يصدقوا الوهم، القادم من جهات اليمين واليسار، دون إعمال منطق العقل وطرح الأسئلة الممكنة حول ما ورد في مقالها... 
 لن أدخل في نوايا الأشياء، ولا في شكل الترتيبات وما الذي دفعها أصلا إلى ركوب صهوة الكتابة المنافحة عن الحراك وشبابه، لكنني أسمح لنفسي بالنظر إلى تاريخ المغرب، كسيرورة تتقدم منذ الاستقلال، كيف دار الصراع بين الدولة والمناضلين، كيف سال الدم وثكلت النساء وهجرت البسمة شفاه أطفال، في سن أطفالها الذين تخاف عليهم، كي يستقيم الوطن بالقليل من الصراخ الذي نمارسه... أقول بالقليل لأنه بالفعل لا زال هناك ما يمكنه أن يكمم الأفواه... لكن ليس بالشكل الذي طرحته الإعلامية الكبيرة، فاطمة الإفريقي... 
 لأنها فاطمة الإفريقي، كان على الجميع أن يتضامن معها... لكن ضد من؟ هي لم تسم الأشياء، لم تقل لنا من هدد أطفالها في بسمتهم؟ من يراقب حديقتها... من هذا الشخص، أو هذه الجهة التي خيرتها بين القلم والخلف؟ ثم وهي تكتب مقالها الأخير، بكل تلك الاتهامات وتلك التعرية ألا تضع هؤلاء في مأزق تنفيذ وعيدهم؟ حين نريد أن نسكت خوفا، لا نزغرد ذبحاً، كي لا نستفز العدو... وكي لا يقتلوا أطفالنا... 
 قرأت لها الكثير من المقالات، وفي ذهني ذلك الحق الممنوح لكل واحد فينا أن يستيقظ متى يشاء، أن يكفر عن أخطاءه أو أن يعي في لحظة ما أن الجهة التي يساندها هي بالسوء الذي يضر بالوطن، وأن الذين يحتجون هم من يريدون خيرا بهذا البلد، ويجب دعمهم... ومن أجمل ما قرأت لها، منافحتها عن أطفال الشوارع وحقهم في الابتسامة... فهل نتخلى عن قضية كل الأطفال مقابل ابتسامة من هم في حكم ملكيتنا لهم اليولوجية؟ 
 لأنها فاطمة الإفريقي، على الدولة والمجتمع المدني أن يفتحا تحقيقا حول ما كتبته، أن تشير بأصبعها للجهة التي هددتها وأرغمتها على التوقف عن الكتابة، أن ترسم ملامح الرجل الذي جحظ عينيه فيها وأن تستعمل ما ناضل عليه أبناء هذا الوطن، آليات دولة الحق والقانون، المضمنة في القضاء، من أجل الدفاع عن حقها الدستوري في الكتابة... 
 لا أستطيع أن أمنع نفسي من عدم تصديق كل هذا... منع ممزوج مع أسف أن تكون التخمينات التي أنتجه صحيحة، أن تجد إعلامية نفسها وسط طريق لا يقود إلى مجد حقيقي، وأنه لم يعد ممكنا أن تتحول إلى الأيقونة الإعلامية لثورة لم تقم إلا في مخيلة أصحابها، وحين هدأت الأمور وعادت الدولة بكل ثقلها، المؤسساتي والمبهم، قررت الخروج من هذا الطريق بفرقعة تمنح لها حق الشهادة وحق الراحة... 
 كل ما سلف ذكره يبقى افتراضات حين يصدق العقل سيرورة التاريخ المنطقية، ومن هذه الزاوية على الدولة أن تتدخل، وأن تضع المقال الأخير على محك التحقيق والمساءلة، لعله فقط وهم الكاتب حين يعتقد أنه اقترف نصا مانعا جامعا، وأن الجميع ينظرون إليه حبا من جهة وتهديدا من جهة أخرى... حتى وهو وهم على الدولة أن تتحمل مسؤولية معالجة صاحبته منه... ففي الأخير فاطمة الإفريقي كانت دائما ابنة الإعلام الرسمي منذ الأزل....
أخيرا، ليس من أجل ابتسامة أطفالنا، نتخلى عن كل أطفال الوطن...
 
عبد العزيز العبدي