ككل الهويات الثقافية والحضارية لشعوب وأمم الأرض، فإن الهوية المغربية هوية مركبة متعددة الروافد والمكونات، وليست هوية أحادية برافد أو مكون واحد. ويمثل الإسلام، والأمازيغية، والعربية، المكونات الكبرى، والأضلاع الأساسية الثلاثة للهوية المغربية، وقد حصل بينها من التفاعل والتمازج والانصهار، ما جعل منها وجوها لنفس الهوية، وألوانا لنفس الجوهر والحقيقة، لكنها – وهذا هو الأهم – وجوه مندمجة وألوان منصهرة في بوتقة الهوية المغربية المتعددة الأبعاد الموحدة الجوهر، بحيث لا يمكن فصلها عن بعضها، ولا يمكن تصورها مستقلة أو معزولة، من كثرة وعمق ما حصل بينها من تبادل وتثاقف وتفاعل، على مدى ثلاثة عشر قرنا من الأخوة والمصاهرة والجوار والعيش المشترك بين الأمازيغ وإخوانهم العرب، بمنطقة الغرب الإسلامي، في ظلال الإسلام وتحت راية القرآن.

إن الهوية المغربية هي أشبه ما تكون بعصير فواكه، مستخلص من عدة أنواع من الفاكهة، بحيث يشمل ألوان وطعوم تلك الفواكه جميعا، يصح تسميته عصير تفاح، لاحتوائه على طعم التفاح، ويجوز تسميته عصير موز لاشتماله على الموز، ويصح تسميته عصير برتقال، إن كان البرتقال من جملة الفواكه التي استخلص منها، إلا أن التسمية الأصح والأدق، الأقرب إلى طبيعته، والأشمل لمكوناته، أن يسمى عصير فواكه، ولا يسمى عصير تفاح ولا موز ولا برتقال ولا غير ذلك، وإن كان مزيجا من تلك الفواكه جميعا.

ولذلك فإن وصف الهوية المغربية، من خلال مكون واحد من مكوناتها، أو رافد من روافدها، كأن يقال – مثلا – إنها: هوية عربية، أو هوية أمازيغية، هو من باب إطلاق الجزء على الكل، وهو أمر جائز مقبول ومتعارف عليه في كل اللغات والثقافات، ما لم يكن تعبيرا عن تصور انتقائي اختزالي للهوية المغربية، وما لم يكن صادرا عن خلفية انطوائية إقصائية، تتمركز حول مكون من مكونات الهوية، وتسعى إلى تضخيمه والرفع من شأنه، مقابل تحجيم باقي المكونات وتهميشها والحط من قدرها. فإن لم يحصل من ذلك شيئا، وكان التوصيف توصيفا بريئا، لا دخل للعصبية ولا للإيديولوجية فيه، كان أمرا عاديا وظاهرة طبيعية، لا ينبغي أن تشكل عقدة أو مشكلة لأحد، لأنه من باب وصف الشيء ببعض خصائصه، أو التعبير عن الكل من خلال جزء من أجزائه.

أما الذين يحاولون اختزال الهوية المغربية المتعددة المتنوعة، والموحدة المشتركة في الآن ذاته، في مكون واحد من مكوناتها، وفي رافد يتيم من روافدها، بدافع الهوى القومي، والتعصب اللغوي والعرقي، فإنهم إنما يحاولون تحويل مثلث الهوية إلى مستقيم، وهو أمر مستحيل بالمنطقين الرياضي والتجريبي، ولا يمكن أن يحدث إلا بتكسير المثلث، وتحويله إلى أضلاع منفصلة متناثرة، وهذا سلوك معاكس لطبيعة المجتمعات المتنوعة والهويات المركبة، ولا يتم إلا بالقسر والعنف الذين يسفران عن ضحايا وخسائر، ولا يأتيان بخير أبدا.