لم يمر التقارب الجديد بالمغرب بين الربانين السياسيين إدريس لشكر الكاتب (الأمين) العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارض)، وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال (المشارك في الحكومة)، دون أن يخلق حالة إرباك وغموض سياسي داخل الوسط السياسي والإعلامي، واعتبره البعض مقدمة للتهديد بإسقاط الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية وتصاعدت هذه التخوفات إثر مواقف حزب الاستقلال الأخيرة المنتقدة للأداء الحكومي، وكذا التصعيد الذي بدأ يمارسه تدريجيا حزب الاتحاد الاشتراكي من خلال اتهامه لحزب العدالة والتنمية بمحاولة الهيمنة على الحياة السياسية في المغرب والانسحاب من جميع اللجان الوطنية التي أنشأها وزراء حكومة عبد الإله بنكيران، حول عدة قضايا أهمها الحوار الوطني حول العدالة والمناصفة وفي المقابل لم يتردد بعض قياديي حزب العدالة والتنمية في الإدلاء بتصريحات قوية وصلت إلى حد تهديد بعضهم بالعودة إلى التظاهر في الشارع ضد الأطراف التي تسعى لإسقاط الحكومة، ليظل السؤال هل هناك أزمة سياسية صامتة داخل مكونات الأغلبية الحكومية؟

وفي هذا الإطار نفت النائبة البرلمانية والقيادية في حزب الاستقلال، كنزة الغالي، وجود أية أزمة من هذا القبيل، معتبرة أن التأويلات السياسية والإعلامية للتقارب الأخير بين حزبها وحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض تدخل في باب "المزايدات السياسية" وأوضحت في تصريح للجزيرة نت أن ذلك التقارب لا يهدف بأي شكل إلى "نسف مكونات الحكومة"، لأن حزب الاستقلال حريص -بحسب قولها- على إنجاح التجربة السياسية الحالية لما بعد دستور 2011، وملتزم باستقرار وأمن البلاد في ظل التخوفات من بوادر أزمة اقتصادية.

حروب إعلامية
وبدوره اعتبر النائب البرلماني من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حسن طارق، أن الحديث عن أزمة داخل مكونات الأغلبية الحكومية يندرج في "إطار الحروب الإعلامية، وسياسة التموقع الخاصة بكل حزب"
وطالب طارق في تصريح للجزيرة نت بضرورة "عدم التهويل من هذه الحروب (..) لأن من شأنها تعميق ضبابية المشهد السياسي بالبلاد" ونفى في هذا الإطار أن يؤدي التقارب الأخير بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى "تغييرات وتحولات في المشهد السياسي والحزبي الحالي"

يذكر أن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي شكلا خلال فترة التسعينيات -إضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية وأحزاب صغيرة أخرى- تحالفا سياسيا قويا تحت اسم "أحزاب الكتلة الديمقراطية" من جانبه لم يخرج النائب البرلماني والقيادي في حزب العدالة والتنمية عبدا لله بوانو عن نفس المسار، حيث استبعد أن تكون الحكومة الحالية تواجه تهديدا من خلال ذلك التقارب، معترفا في الوقت نفسه بأن "غياب التواصل داخل مكونات الأغلبية الحكومية حول قضايا معينة خلق بعض التخوفات" لدى بعض أطرافها وكشف بوانو في تصريح للجزيرة نت أنه يتم العمل "حاليا" على حل بعض الإشكاليات التي لم تخضع لتواصل كبير بين أطراف مكونات الأغلبية الحكومية، قائلا إنه تم الشروع في النقاش حول مواضيع سياسية واقتصادية مهمة.

انتقادات ونصائح
وانتقد بوانو في المقابل ما وصفه بـ"محاولات رجوع أدوات التحكم ومقاومة الإصلاح"، معتبرا أن "انتقادات ونصائح" بعض أحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية والحكومة لا يعتد بها، لكون تلك الأحزاب لم تستطع -بحسب تعبيره- إلى حد الآن النجاح في تسوية شؤونها الداخلية و"ترتيب بيتها من الداخل"
ودعا في هذا السياق المعارضة إلى ممارسة دورها بطريقة "موضوعية وتحديد مرجعيات لمحاسبة الحكومة الحالية" تتمثل أساسا في مدى احترامها للدستور والالتزام بالبرنامج الحكومي، مؤكدا أن الحكومة ستواصل مهمتها في إنجاز المشاريع التي أطلقتها واتخاذ قرارات مهمة لمصلحة البلاد أما النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، المهدي بنسعيد، فلاحظ أن الحكومة الحالية تفتقد للانسجام بسبب عدم تجانس الخلفيات السياسية والفكرية لمكوناتها، وهو ما سيؤثر في نظره على تنفيذ السياسات العمومية والممارسة الديمقراطية واعتبر بنسعيد في تصريح للجزيرة نت أن غياب الانسجام وتبادل الاتهامات بين بعض مكونات الأغلبية الحكومية "أمر غير صحي للحكومة في ظل الصلاحيات التي يخولها لها دستور 2011"، داعيا إياها إلى التحلي بالمسؤولية لخدمة مصلحة واستقرار البلاد، بعيدا عن" مصالح حزبية ضيقة" ولا يخفي المتتبعون السياسيون في المغرب أن نجاح أو فشل تجربة حكومة بنكيران، وهي تدخل عامها الثاني، تشكل مقياسا لتقييم التجربة السياسية في البلاد في سياق الربيع العربي

عبد الجليل البخاري