باتت طائرات سلاح الجو الاميركي تعاني الهِرم والتقادم، الامر الذي وضع السلاح في مقارنة خاسرة امام نظيره الصيني، وارجع خبراء عسكريون ذلك الى قناعة واشنطن بالسلام الدائم، بعد السنوات العشر الاولى من نهاية الحرب الباردة، بالاضافة الى عجز "البنتاغون" عن تمويل مشروعات لبناء طائرات جديدة اكد خبراء عسكريون في واشنطن ان سلاح الجو الاميركي بات يعاني الهرم امام تعاظم قوة نظيره الصيني، والمح الخبراء عبر عملية حصر لطراز الطائرات الحربية العاملة في سلاح الجو الاميركي الى ان معظم الطائرات مرت بالعديد من عمليات التطوير والتحديث، وفاقت في ساعات طيرانها المدة المخصصة لها، وكان من اللازم الاعتماد على طائرات جديدة، حتى لا يصل سلاح الجو الاميركي الى هذه الحالة من التردي وهبوط المستوى.

 

مستوى متردّ

 

وفي وقت تتفاخر تل ابيب بقوة سلاحها الجوي، الذي يعتمد بالاساس على ما تحصل عليه من مقاتلات جوية اميركية، ينظر الخبراء الاميركيون بعين الخطورة الى تردي مستوى طائرات سلاح الجو، وتقدمها الطاعن في السن، ورغم ان الطائرات الاميركية خاضت العديد من المناورات والتدريبات مع جيوش مختلفة في منطقة الشرق الاوسط وخارجها، واسفرت نتائج التدريبات عن تفوق ملحوظ في اداء السلاح الاميركي، الا ان سهام النقد الاميركية لا زالت موجهة للقائمين على هذا السلاح يرى الخبراء بحسب تقرير مطول نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، ان اشكالية هرِم المقاتلات الحربية الاميركية ليست وليدة اليوم، وانما جرى التباحث حولها داخل المطبخ العسكري الاميركي اكثر من مرة، ويقول الخبراء: "تقادم المقاتلات الجوية الاميركية يشكل ازمة حقيقية، وهناك مخاوف بالغة من تفاقمها، وربما نشأت تلك الازمة بسبب التراخي في التعاطي مع تحديث سلاح الجو بعد الحرب الباردة، كما زادت الازمة ضراوة على خلفية المخاوف من ارتفاع تكلُفة بناء مقاتلات جوية جديدة".
 
اذا كانت مشكلة تحديث سلاح الجو الاميركي كبيرة، فالاكبر منها انه في مقابل تقادم الطائرات الجوية، ترتفع وتيرة تحديث سلاح الجو الصيني، الامر الذي يشكل مخاطراً على الامن الاميركي، وعلى توازن القوى بين البلدين، وينبغي على قادة وزارة الدفاع (البنتاغون) دراسة كيفية التعاطي مع اشكالية المقاتلات الجوية القديمة، التي خدمت في سلاح الجو باخلاص خلال سنوات طوال، بحسب ما نقلته الصحيفة العبرية عن الخبراء الاميركيين ويبدو انه لم يكن بمقدور الولايات المتحدة القتال في سماء العراق وافغانستان وليبيا من دون الطائرة
KC-135 Stratotanker، وهى الطائرة المركزية المعنية في سلاح الجو الاميركي بالامداد بالوقود، لتمكن طائرات سلاح الجو بالبقاء لاطول فترة ممكنة في سماء تلك الدول، ويعود الفضل في ذلك - بحسب الخبراء - للرئيس الاميركي الاسبق "ديفيت ايزنهاور"، إذ دخل هذا النوع من الطائرات للخدمة خلال فترة ولاية ايزنهاور عام 1956، وتلى هذا النوع، انواع متطورة من الطراز عينه، لتدخل الخدمة العسكرية عام 1964.

 

طراز لم يعد قادراً على العمل

 

تعليقاً على ذلك، قال الكولونيل الاميركي "بريان زيلنار"، ان قادة سلاح الجو يعلمون ان الطائرة المعنية بامداد المقاتلات الجوية بالوقود، تعمل منذ ما يربو على 15 عاماً، ولا زالت تتقدم سرب طائرات الامداد بالوقود حالياً في قاعدة عسكرية بجزيرة "اوكينفا" اليابانية، واضاف: "اما ما لا تعلمه الاكثرية في سلاح الجو الاميركي، ان الطائرة التي يدور الحديث عنها وهى من طراز KC-135 لم تعد قادرة على العمل، او على الاقل مجاراة الطرز الجديدة والمتطورة في سلاح الجو الصيني على سبيل المثال" ويؤكد الضابط الاميركي الكبير انه كبديل عن هذا النوع من الطائرات، يعكف الخبراء في سلاح الجو الاميركي على تطوير طائرة الامداد بالوقود الجديدة KC-46A، لكنه يبدو ان تلك الطائرة لن تدخل الخدمة خلال السنوات الخمس المقبلة، اذا واصل الكونغرس الاميركي تقليص ميزانيات وزارة الدفاع، وهو الامر الذي لن تخرج فيه الطائرات الجديدة الى الخدمة الا في اربعينيات القرن الحالي.

 

اما الطائرة الحربية من طراز F-15، التي تُعتبر حصان العمل العسكري الطائر في سلاح الجو الاميركي منذ حرب فيتنام، فكان الهدف عند بنائها الا يزيد عدد ساعات طيرانها في الخدمة العسكرية عن 5.000 ساعة، لكن سلاح الجو اعتمد عليها كثيراً حتى وصلت ساعات طيرانها الى 18.000 ساعة، اما الطائرات من طراز F-16، والتي تعتبر مقاتلاً محورياً في سلاح الجو الاميركي، فدخلت الخدمة منذ عام 1979، وقبل عامين اتخذ قادة سلاح الجو قراراً بإحالة الطائرات القديمة منها الى التقاعد ومن الطائرات الحربية التي يعود تاريخ خدمتها العسكرية لسبعينيات القرن الماضي، الطائرة A-10 Thunderbolt، المعنية بالدعم الجوي القريب من الجنود في ميدان القتال (القوات البرية)، ويمر هذا النوع من الطائرات حالياً بعملية تركيب اجنحة جديدة، خاصة انه بعد تقادمها ظهرت بها تصدّعات بالغة، وتصل تكلفة ترميم هذه الطائرات الى 2.25 مليار دولار، وينتهي العمل من تلك الاصلاحات في 2013.

 

عجز عن التمويل

 

الى ذلك، يعكف سلاح الجو الاميركي على تحديث اسطول طائراته الحربية من طرز مختلفة، ومنها F-22 Raptor، F-35 Joint Strike Fighter، وF-35 Joint Strike Fighter، الا ان سلاح الجو تراجع عن انتاج الطائرات من طراز F-22، خاصة بعد ارتفاع تكلفة انتاجها بما يعادل نصف مليار دولار للطائرة الواحدة، كما ان ارتفاع التكلفة غير المسبوق، عرقل تزويد سلاح الجو بطائرات جديدة من طراز F-35، وهو المشروع الذي عجزت وزارة الدفاع الاميركية عن تمويله في سابقة هى الاولى من نوعها اما طائرة التجسس الاسطورية الاميركية U-2، التي يستخدمها سلاح الجو الاميركي لرقابة كوريا الشمالية ومناطق مشتعلة غيرها، فدخلت الطائرة الاولى من هذا الطراز للخدمة العسكرية عام 1955، لدرجة ان اسمها بات معروفاً لكافة الاسر الاميركية، نظراً لدورها البارز في التعاطي مع ازمة الصواريخ الكوبية، الا ان هذا النوع من الطائرات اصيب بانتكاسة، حينما تمكن الاتحاد السوفييتي السابق من اسقاط احدى طائراته عام 1960، واسر قائدها "فرانسيس جري بافيرس"، الذي كان يخدم في جهاز الاستخبارات الاميركية الـ CIA.

 

ويعتقد المحللون العسكريون في واشنطن بأن الطائرة الاميركية بدن طيار "غلوبال هوك" Global Hawk، ستستطيع ان تقوم بالمهام المنوطة بها اكثر من U-2، الا ان الكونغرس الاميركي طرح الفكرة جانباً، فقام سلاح الجو بتطوير U-2 بتكلفة وصلت الى 1.7 مليار دولار، وبحسب المحللين العسكريين، ربما يكون هذا النوع من الطائرات مميزاً، الا انه ليس متطوراً بما يتوافق مع حجم التحديات التي تجابهها الولايات المتحدة، خاصة تلك المتعلقة بالصين.

الكوميديا السوداء في الحرب الباردة

 

اما الطائرة الحربية من طراز B-52، التي يُعجب بها مرتادو دور السينما بسبب ادوارها في الكوميديا السوداء ذات العلاقة بالحرب الباردة، فيرى البروفيسور الاميركي "ستراينغليف"، انها لا تزال القوة الهجومية الاستراتيجية الاكثر اهمية في سلاح الجو الاميركي، رغم انها دخلت الخدمة العسكرية عام 1954، واصبحت في عداد الطائرات القديمة نهاية حرب فيتنام، ولا يزال ما يقرب من مائة طائرة منها تخدم في سلاح الجو الاميركي وفي سبعينيات القرن الماضي طوّر سلاح الجو الاميركي الطائرة الحربية من طراز B-1، لكن الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر اوقف هذا المشروع، ولم يستأنف المشروع الا الرئيس رونالد ريغان، غير انه لم يتم انتاج الطائرة منذ عام 1988.

 

ويأتي الدور على الطائرة الحربية الشبح من طراز B-2 Spirit، التي قامت بأولى طلعاتها الجوية عام 1989، ولم تنتج الولايات المتحدة منها سوى 21 طائرة، نظراً لان تكلفة بناء الواحدة زادت عن ملياري دولار، ويامل سلاح الجو الاميركي حالياً ان يطور الطائرة الحربية من طراز Long Range Strike Bomber، غير انه ليس من الواضح متى تكون هناك جهوزية للبدء في هذا المشروع ووفقاً للخبراء الاميركيين، لا ينبغي تجاهل خضوع هذه الانواع من المقاتلات الجوية لعمليات تطوير وتحديث هائلة، كما يتفق معظم الخبراء من مختلف دول العالم على ان سلاح الجو الاميركي لا يزال الافضل على مستوى العالم من ناحية آلياته، غير ان عمليات التطوير والتحديث بالغة التكلفة للمقاتلات الجوية الاميركية، لا تؤكد الا على ان الطائرات لن تسقط فجأة من السماء.

 

فشل في الحفاظ على اليقظة

 

رغم ذلك يؤكد الطيار الاميركي "زلنار" ان طائرته التي تنتمي الى طراز KC-135 آمنة، وتحلق في الهواء كالبطل المقدام، الا ان "لوران تومبسون" احد الباحثين الاميركيين البارزين في معهد ابحاث ينتمي الى المحافظين، يؤكد ان المستوى الذي بات عليه سلاح الجوي الاميركي، يعطي انطباعاً لا يقبل التأويل بفشل واشنطن في الحفاظ على يقظتها، واضاف: "من اهم اسباب سوء اسطول الطائرات الحربية الاميركية، ان ساسة الولايات المتحدة مزالوا بعد السنوات العشر الاولى من نهاية الحرب الباردة يعتقدون ان واشنطن دخلت جنة دائمة من السلام، الا انه بعد عشر سنوات اخرى، خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد اعدائها من دون سلاح جو جيد، او منظومات متطورة في الدفاع الجوي، ولعل ما يبدو عليه سلاح الجو حالياً، يعكس الى حد كبير تلك النتيجة".

 

ويتفق "روبرت هابي" الكولونيل المتقاعد في سلاح الجو الاميركي مع الرأي السابق، مشيراً الى انه رغم ان القوات البرية كانت هى الاهم في الحرب الاميركية بالعراق وافغانستان، الا ان القوات الجوية تظل على ما يبدو مفتاحاً لمتطلبات امن الولايات المتحدة، التي توجه انتباهها دائماً للشرق الادنى وتعاظم الصين عسكرياً واضاف هابي احد كبار الباحثين في مركز التقديرات الاستراتيجية والميزانيات: "لا ينبغي تجاهل حقيقة دامغة، وهى ان الصين تمتلك سلاحاً جوياً بالغ الخطورة، وبمقدوره المساس بقواعد عسكرية اميركية على الاراضي الصينية، ويتطلب الامر وضع قوة جوية اميركية رادعة بعيدة المدى، فضلاً عن ان القواعد العسكرية الاميركية في اليابان، لاتبعد كثيراً عن مدى سلاح جو كوريا الشمالية".